مجلس التعاون المشرقي
ناهض حتر
جو 24 : أظهرت مجريات الحرب الإمبريالية الرجعية ضد الجمهورية العربية السورية، واقع الترابط العضوي بين بلدان المشرق العربي، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق؛ فهي، جميعها، تأثّرتْ، وتتأثّر، عضويا وكيانيا، بالصراع الدائر في سوريا وعليها. وهو صراع أدى إلى انشقاقات سياسية عميقة في هذه البلدان التي تتحسس، اليوم، أنها مرتبطة بمصير مشترك.
وخلال سنتين من عمر الحرب في سوريا، تصدى مثقفون ومناضلون من هذه البلدان للدفاع عن الجمهورية العربية السورية، ووحدتها واستقلالها وثقافتها المشرقية العلمانية، وسياساتها الداعمة للمقاومة والتصدي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومن هذا الخندق بالذات، سعى هؤلاء المثقفون والمناضلون، بالمقابل، إلى تشجيع بلد المقاومة العربية، على تعزيز أولوية المشروع التنموي الوطني ضد الكمبرادورية وانتهاج سياسات اجتماعية تقدمية ضد النيوليبرالية، وتحديث النظام السياسي وفق نموذج ديموقراطي وطني توافقي يطابق احتياجات التقدم السوري، وينأى بسوريا عن منزلق المحاصصة الطائفية والمذهبية والجهوية والاتنية.
لماذا المشرق تحديدا ؟ لأنه ثبت، في الواقع، أنه مجال جيوسياسي واحد له خصوصياته التكوينية ـ الاجتماعية ـ الثقافية، في إطار وحدة الوطن العربي، وله قضاياه المتفجرة المتعلقة بتلك الخصوصيات، ومنها أن بلدانه هي التي تواجه اليوم، كما كان الحال منذ سايكس ـ بيكو، مشروع التفتيت المذهبي والطائفي والاتني، مما يطرح أولوية مواجهته بمشروع اتحادي مشرقي مضادّ. وإلى ذلك، فإن العلاقات البينية بين بلدان المشرق، تتخذ اليوم بعدا استراتيجيا تطرحه التطورات بقوة، ومن ذلك، مثلا، العلاقات السورية ـ اللبنانية، والعلاقات العراقية ـ الأردنية، وتقعان، كلاهما، في عمق المصالح الحيوية لشعوب المشرق، وفي صُلب ضرورات المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
يظهر، هنا، بوضوح، أن المشرقية التي نتحدث عنها، التي بدأت تحفر حضورها في الفكر والممارسة في بلادنا، هي رؤية مستقلة عن أيّة عقائدية قومية أو برنامج حزبي، ولا تتعارض، إطلاقا، مع أي منهج عروبي، وإنما هي رؤية جيوسياسية وتنموية وثقافية ودفاعية، تسعى إلى انتاج خطاب مفتوح ينطلق من لهيب اللحظة الصراعية الراهنة الممتدة من سوريا إلى العراق إلى لبنان إلى الأردن وفلسطين.
ولكيلا يكون هناك لبسٌ، فإن المشرقية الجديدة تتأسس، الآن، بوصفها خطابا استراتيجياً لا يكرر ما سبقه من خطابات واتجاهات، وإنما يجدلها في مجال فكري سياسي يفرضه الاستحقاق الكفاحي، وينطوي على ديناميات تجديد التيارات اليسارية والقومية والاسلامية ـ المقاومة والوطنية. وهي وصلت، جميعا، إلى طريق مسدود، وتحولت إلى عقائد مرسّمة وأطر ـ مهما كبرت حجما وأهمية ـ تظل معزولة.
أي معنى لليسارية خارج مشروع التنمية ،بوصفه مشروعا نقديا، ونقيضا، للرأسمالية الكمبرادورية، وأية امكانية للتنمية ـ وتحقيق الاختراق التنافسي على الصعيد الدولي ـ خارج المنظومات الإقليمية، في حين أن منظومتنا الإقليمية التي تتشكل على نار التفتيت أو الوحدة، هي المشرق؟
وأي معنى للقومية ـ العربية والسورية ـ من دون مشروع واقعي راهن حيّ يفرضه الصراع، ويفتح أبواب المستقبل المغلقة نحو صيغ اتحادية ـ تكاملية غير عقائدية، بين بلدان تئن تحت وطأة الخراب؟
ثم أي معنى للإسلام المقاوم خارج وحدة المقاومة في إطار مشروع قومي تنموي، يكسر الجدران المذهبية والطائفية، ويحرر المقاومة من القيود الداخلية؟
وأي معنى للوطنية القُطرية إذا لم تترسخ حصانة خصوصيتها في إطار اتحادي تنموي دفاعي؟
...
إذا كان جوهر الحرب الهمجية على سوريا، منذ سنتين، هو فرض سايكس بيكو 2 ؛ فليكن ردنا بدفن سايكس بيكو 1، في قيام "مجلس التعاون المشرقي"، وتوحيد المجالات الاقتصادية والامنية والدفاعية بين بلدان تنتمي إلى مجال جيوسياسي وحضاري واحد. وعلى رغم النفق المظلم الذي يعيشه المشرق الآن، فإن جدل التاريخ يفتح أمامه الفرصة الضرورية والممكنة، واقعيا، من التقارب الاستراتيجي الذي يترسخ الآن بين العراق وسوريا ، وما تفرضه الضرورات البينية لإعادة اكتشاف أهمية العلاقات الثنائية السورية ـ اللبنانية والعراقية ـ الأردنية، بالنسبة لأطرافها. ومن الواضح فإن عضوية فلسطين في المجلس الإقليمي الجديد، سيفتح لقضيتها أفقا جديدا.
لدينا في المشرق المجتمعات المتحضرة والكثافة الديموغرافية الكافية والخبرات والكفاءات وقوة العمل المدربة والثروات الهائلة من النفط والغاز والقدرات الدفاعية، ما يجعل المجلس المشرقي صخرة العالم العربي ومركزه.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
وخلال سنتين من عمر الحرب في سوريا، تصدى مثقفون ومناضلون من هذه البلدان للدفاع عن الجمهورية العربية السورية، ووحدتها واستقلالها وثقافتها المشرقية العلمانية، وسياساتها الداعمة للمقاومة والتصدي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ومن هذا الخندق بالذات، سعى هؤلاء المثقفون والمناضلون، بالمقابل، إلى تشجيع بلد المقاومة العربية، على تعزيز أولوية المشروع التنموي الوطني ضد الكمبرادورية وانتهاج سياسات اجتماعية تقدمية ضد النيوليبرالية، وتحديث النظام السياسي وفق نموذج ديموقراطي وطني توافقي يطابق احتياجات التقدم السوري، وينأى بسوريا عن منزلق المحاصصة الطائفية والمذهبية والجهوية والاتنية.
لماذا المشرق تحديدا ؟ لأنه ثبت، في الواقع، أنه مجال جيوسياسي واحد له خصوصياته التكوينية ـ الاجتماعية ـ الثقافية، في إطار وحدة الوطن العربي، وله قضاياه المتفجرة المتعلقة بتلك الخصوصيات، ومنها أن بلدانه هي التي تواجه اليوم، كما كان الحال منذ سايكس ـ بيكو، مشروع التفتيت المذهبي والطائفي والاتني، مما يطرح أولوية مواجهته بمشروع اتحادي مشرقي مضادّ. وإلى ذلك، فإن العلاقات البينية بين بلدان المشرق، تتخذ اليوم بعدا استراتيجيا تطرحه التطورات بقوة، ومن ذلك، مثلا، العلاقات السورية ـ اللبنانية، والعلاقات العراقية ـ الأردنية، وتقعان، كلاهما، في عمق المصالح الحيوية لشعوب المشرق، وفي صُلب ضرورات المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
يظهر، هنا، بوضوح، أن المشرقية التي نتحدث عنها، التي بدأت تحفر حضورها في الفكر والممارسة في بلادنا، هي رؤية مستقلة عن أيّة عقائدية قومية أو برنامج حزبي، ولا تتعارض، إطلاقا، مع أي منهج عروبي، وإنما هي رؤية جيوسياسية وتنموية وثقافية ودفاعية، تسعى إلى انتاج خطاب مفتوح ينطلق من لهيب اللحظة الصراعية الراهنة الممتدة من سوريا إلى العراق إلى لبنان إلى الأردن وفلسطين.
ولكيلا يكون هناك لبسٌ، فإن المشرقية الجديدة تتأسس، الآن، بوصفها خطابا استراتيجياً لا يكرر ما سبقه من خطابات واتجاهات، وإنما يجدلها في مجال فكري سياسي يفرضه الاستحقاق الكفاحي، وينطوي على ديناميات تجديد التيارات اليسارية والقومية والاسلامية ـ المقاومة والوطنية. وهي وصلت، جميعا، إلى طريق مسدود، وتحولت إلى عقائد مرسّمة وأطر ـ مهما كبرت حجما وأهمية ـ تظل معزولة.
أي معنى لليسارية خارج مشروع التنمية ،بوصفه مشروعا نقديا، ونقيضا، للرأسمالية الكمبرادورية، وأية امكانية للتنمية ـ وتحقيق الاختراق التنافسي على الصعيد الدولي ـ خارج المنظومات الإقليمية، في حين أن منظومتنا الإقليمية التي تتشكل على نار التفتيت أو الوحدة، هي المشرق؟
وأي معنى للقومية ـ العربية والسورية ـ من دون مشروع واقعي راهن حيّ يفرضه الصراع، ويفتح أبواب المستقبل المغلقة نحو صيغ اتحادية ـ تكاملية غير عقائدية، بين بلدان تئن تحت وطأة الخراب؟
ثم أي معنى للإسلام المقاوم خارج وحدة المقاومة في إطار مشروع قومي تنموي، يكسر الجدران المذهبية والطائفية، ويحرر المقاومة من القيود الداخلية؟
وأي معنى للوطنية القُطرية إذا لم تترسخ حصانة خصوصيتها في إطار اتحادي تنموي دفاعي؟
...
إذا كان جوهر الحرب الهمجية على سوريا، منذ سنتين، هو فرض سايكس بيكو 2 ؛ فليكن ردنا بدفن سايكس بيكو 1، في قيام "مجلس التعاون المشرقي"، وتوحيد المجالات الاقتصادية والامنية والدفاعية بين بلدان تنتمي إلى مجال جيوسياسي وحضاري واحد. وعلى رغم النفق المظلم الذي يعيشه المشرق الآن، فإن جدل التاريخ يفتح أمامه الفرصة الضرورية والممكنة، واقعيا، من التقارب الاستراتيجي الذي يترسخ الآن بين العراق وسوريا ، وما تفرضه الضرورات البينية لإعادة اكتشاف أهمية العلاقات الثنائية السورية ـ اللبنانية والعراقية ـ الأردنية، بالنسبة لأطرافها. ومن الواضح فإن عضوية فلسطين في المجلس الإقليمي الجديد، سيفتح لقضيتها أفقا جديدا.
لدينا في المشرق المجتمعات المتحضرة والكثافة الديموغرافية الكافية والخبرات والكفاءات وقوة العمل المدربة والثروات الهائلة من النفط والغاز والقدرات الدفاعية، ما يجعل المجلس المشرقي صخرة العالم العربي ومركزه.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)