ردود الشارع : تقدير موقف..!
حسين الرواشدة
جو 24 : ما الذي يدفع الحكومة الى “التريث” في اشهار قرار رفع الدعم؟ الجواب – بالطبع -: ردود الشارع، السؤال الثاني: هل لدى الحكومة “تقدير” موقف لحجم هذه الردود واتجاهاتها؟ الجواب، لدينا نتائج الاستطلاع الاخير الذي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية وجاء فيه أن نحو 50% من العينة الوطنية تؤيد القرار مقابل 80% من عينة قادة الرأي أعلنوا رفضه، وهذا – بالتأكيد – يعكس جانباً من الصورة لكنه لا يمثل “استفتاء” شعبياً على القرار، أضف الى ذلك ان الحكومة استمعت الى اراء سياسيين واعلاميين لكنها لم “تنزل” حتى الآن الى “الميدان” ولم تحاور “الناس” حول الموضوع.
السؤال الأهم من ذلك كله، هل لدينا قراءة معمقة وتصورات واضحة ومدروسة حول “طبائع” الاردنيين؛ ما قد يتيح لنا تقدير ردود افعالهم؟ لا اعتقد ذلك، لكنني استأذن في تقديم اجتهاد حول هذه المسألة.
بالنظر الى تجربة “الحراكات” على مدى نحو عامين يمكن فهم خريطة الاحتجاجات في الشارع الاردني، فقد اخذت اتجاهين: احدهما تمثله قوى سياسية منظمة يتقدم صفوفها جماعة الاخوان المسلمين، والآخر تمثله قوى شعبية غير منظمة محسوبة على قطاعات من الشباب والموظفين والمتقاعدين، وتتركز في الاطراف والمناطق المهمشة، ومع ان هذه الحراكات لم تحظ في البداية “بحواضن” اجتماعية الا انها استطاعت أن تؤسس لحالة من الوعي والاحتجاج لدى فئات عريضة داخل المجتمع، لكنها – حتى الآن – لم تصل الى مرحلة “التمكن” لتحشيد الشارع والتأثير فيه، الامر الذي يجعل افتراضية احتوائها والسيطرة عليها – كما يتردد داخل المطبخ السياسي – مسألة مفهومة.. وممكنة ايضاً.
إذا سلّمنا بهذه الافتراضية فإن مهمة الحكومة في تمرير “قرار” رفع الدعم تبدو سهلة “ومأمونة”، ذلك أن ردود فعل الشارع لن تتجاوز المألوف، وستظل تحت “السيطرة”، لكنّ ثمة مسالتين لا بدّ من الانتباه اليهما هنا: احداهما أن هذا “التقدير” للموقف، اذا صحت مقدماته ونتائجه، يتعلق بالمدى المنظور وباللحظة الراهنة فقط، وقد لا يكون “صالحاً” على المدى البعيد، وربما تدرك الحكومة ذلك باعتبار أن المطلوب هو الخروج من الأزمة بسرعة، وضمان “تهدئة” لمدة لا تتجاوز اربعة شهور، لكن ما يؤخذ على هذا التصور هو “قصر النظر” وتغييب حسابات المستقبل، وهي حسابات ضرورية لا بدّ من مراعاتها عند اتخاذ القرار.
المسألة الثانية تتعلق بالنظر الى المجتمع وتقدير ردود افعاله من بوابة “الحراكات الشعبية” في الشارع، واعتقد أن ذلك التقدير غير دقيق، صحيح أن هذه الحراكات تمنحنا اشارات لفهم حركة المجتمع واتجاهات مواقفه، لكن الصحيح ايضاً ان امكانية ضبط هذه الحراكات لا تعني بالضرورة ضبط ايقاع حركة المجتمع ومزاجه، فأخطر ما يمكن أن يحدث هو أن نفاجأ بحراك آخر من خارج الاطار، وغالباً ما يتسم مثل هذا الحراك بالفوضى ولا تُعرف اتجاهاته وبالتالي يصعب التفاهم معه والسيطرة عليه.
إذا سألني القارئ العزيز عن تقدير موقف لما بعد قرار رفع الدعم، فانني مطمئن تماماً الى ان الحراكات التي ألفناها في الشارع منذ عامين لن تتجاوز في ردود أفعالها ما هو مفترض ومتوقع، ولن تخرج عن “السياقات” التي يفترضها المسؤولون، لكنني غير مطمئن أبداً الى حركة “المجتمع” من خارج هذه الحراكات، فالدبيب الذي نسمعه داخل مجتمعنا منذ عامين يتصاعد كل يوم، ربما لم ينضج بعد لكي يتحول الى “اصوات” مفهومة ومسموعة، لكن لا يجوز ان نراهن على انه سيظل “دبيباً” صامتاً الى النهاية.
(الدستور)
السؤال الأهم من ذلك كله، هل لدينا قراءة معمقة وتصورات واضحة ومدروسة حول “طبائع” الاردنيين؛ ما قد يتيح لنا تقدير ردود افعالهم؟ لا اعتقد ذلك، لكنني استأذن في تقديم اجتهاد حول هذه المسألة.
بالنظر الى تجربة “الحراكات” على مدى نحو عامين يمكن فهم خريطة الاحتجاجات في الشارع الاردني، فقد اخذت اتجاهين: احدهما تمثله قوى سياسية منظمة يتقدم صفوفها جماعة الاخوان المسلمين، والآخر تمثله قوى شعبية غير منظمة محسوبة على قطاعات من الشباب والموظفين والمتقاعدين، وتتركز في الاطراف والمناطق المهمشة، ومع ان هذه الحراكات لم تحظ في البداية “بحواضن” اجتماعية الا انها استطاعت أن تؤسس لحالة من الوعي والاحتجاج لدى فئات عريضة داخل المجتمع، لكنها – حتى الآن – لم تصل الى مرحلة “التمكن” لتحشيد الشارع والتأثير فيه، الامر الذي يجعل افتراضية احتوائها والسيطرة عليها – كما يتردد داخل المطبخ السياسي – مسألة مفهومة.. وممكنة ايضاً.
إذا سلّمنا بهذه الافتراضية فإن مهمة الحكومة في تمرير “قرار” رفع الدعم تبدو سهلة “ومأمونة”، ذلك أن ردود فعل الشارع لن تتجاوز المألوف، وستظل تحت “السيطرة”، لكنّ ثمة مسالتين لا بدّ من الانتباه اليهما هنا: احداهما أن هذا “التقدير” للموقف، اذا صحت مقدماته ونتائجه، يتعلق بالمدى المنظور وباللحظة الراهنة فقط، وقد لا يكون “صالحاً” على المدى البعيد، وربما تدرك الحكومة ذلك باعتبار أن المطلوب هو الخروج من الأزمة بسرعة، وضمان “تهدئة” لمدة لا تتجاوز اربعة شهور، لكن ما يؤخذ على هذا التصور هو “قصر النظر” وتغييب حسابات المستقبل، وهي حسابات ضرورية لا بدّ من مراعاتها عند اتخاذ القرار.
المسألة الثانية تتعلق بالنظر الى المجتمع وتقدير ردود افعاله من بوابة “الحراكات الشعبية” في الشارع، واعتقد أن ذلك التقدير غير دقيق، صحيح أن هذه الحراكات تمنحنا اشارات لفهم حركة المجتمع واتجاهات مواقفه، لكن الصحيح ايضاً ان امكانية ضبط هذه الحراكات لا تعني بالضرورة ضبط ايقاع حركة المجتمع ومزاجه، فأخطر ما يمكن أن يحدث هو أن نفاجأ بحراك آخر من خارج الاطار، وغالباً ما يتسم مثل هذا الحراك بالفوضى ولا تُعرف اتجاهاته وبالتالي يصعب التفاهم معه والسيطرة عليه.
إذا سألني القارئ العزيز عن تقدير موقف لما بعد قرار رفع الدعم، فانني مطمئن تماماً الى ان الحراكات التي ألفناها في الشارع منذ عامين لن تتجاوز في ردود أفعالها ما هو مفترض ومتوقع، ولن تخرج عن “السياقات” التي يفترضها المسؤولون، لكنني غير مطمئن أبداً الى حركة “المجتمع” من خارج هذه الحراكات، فالدبيب الذي نسمعه داخل مجتمعنا منذ عامين يتصاعد كل يوم، ربما لم ينضج بعد لكي يتحول الى “اصوات” مفهومة ومسموعة، لكن لا يجوز ان نراهن على انه سيظل “دبيباً” صامتاً الى النهاية.
(الدستور)