الشـعـب يسقـط الانـقـلاب..!
لم يكن هدف الانقلاب الفاشل الذي جرى في تركيا امس انهاء حكم اردوغان وحزب التنمية والعدالة واعادة الاعتبار لحكم العسكر فقط، وانما كان الهدف اسكات صوت الشعب التركي وكسر ارادته والغاء منطق " الصناديق "، ثم القبض على روح الثورات العربية التي كانت تركيا اكبر الداعمين لها، تمهيدا لتعميم العسكرة في المنطقة، واعادة الشعوب الى بيت الطاعة، ومعاقبة كل من يفكر " بالتمرد " على المخططات الجاهزة لرسم خرائط بلداننا من جديد، وصولا الى تتويج ايران شرطيا على المنطقة ومنح اسرائيل "شيكا "على بياض لتحقيق رغباتها من دون ان يقف في وجهها احد .
في هذا الاطار يمكن ان نفهم لماذا حدث الانقلاب، ومن يقف وراءه، ومن صفق له واشهر " شماتته "، كما يمكن ان نفهم التداعيات التي يمكن ان تحدث لو نجح " الانقلابيون " في قلب المشهد، والعوامل التي اجهضت المخطط، ثم انعكاسات ذلك على تركيا، سواء في الداخل حيث بدأت عمليات " الاعتقال” للمشاركين في الانقلاب، وتطهير الاجهزة من " نفوذ " جماعة الخدمة ( عبدالله غولن) او على صعيد علاقات تركيا الاقليمية ومواقفها من التحولات التي تجري في المنطقة .
حين ندقق فيما جرى، نجد ان محاولة الانقلاب كانت " مرتبة "، فقد استخدمت فيها قوات برية وطائرات، لكنها لم تحظ " بمباركة " كبار قادة الجيش، ولا بموافقة الطبقة السياسية، حتى من الذي ناصبوا اردوغان الخصومة، كما انها تفتقد للتأييد الشعبي، اذ ان حركة الشارع بعد كلمة اردوغان على الهاتف ساهمت في اجهاض المحاولة، واثبت الاتراك بمختلف توجهاتهم ان " الديمقراطية " هي خيارهم وان الانقلابات التي جاءت " بالمعسكر " اصبحت من الماضي .
حين ندقق بشكل اعمق نجد ان ملفات داخلية وخارجية كانت حاضرة في اجندة الانقلابيين، فقد تصدر البيان الذين اصدروه مسألتان : احداهما اعلان حالة الطوارئ، وتشكيل مجلس لادارة البلاد، والاخرى تعطيل الدستور والعمل على اصدار دستور جديد، وفي ذلك اشارة واضحة لبواعث الانقلاب المتعلقة اولا بالتغييرات التي قام بها اردوغان على صعيد الغاء الدور السياسي للمؤسسة العسكرية ومحاكمة بعض قادتها، ثم بالتعديلات الدستورية التي ستمنح للرئيس صلاحيات اوسع، والمتعلقة ثانيا بالصراع بين اردوغان وزعيم جماعة الخدمة ( غولن ) الذي يبدو ان لديه اصابع فيما جرى، حيث من المؤكد ان ما حدث سيسرع في عملية تصفية الحسابات بينهما، وسيعطي اردوغان الضوء الاخضر للقضاء على نفوذ " الجماعة " التي تغلغلت في مفاصل الدولة .
اما الملفات الخارجية فمتعددة، بعضها يتعلق بموقف اردوغان مما يحدث في سوريا، والعراق، خاصة في ضوء تصاعد الدور الروسي الايراني وبما يحدث بمصر ايضا، وربما تكون قرارات اردوغان الاخيرة للاعتذار لبوتين وتطبيع العلاقات مع اسرائيل محاولة لاستباق " بوادر " تمرد او انقلاب داخل المؤسسة العسكرية، او على الارجح لتمكين تركيا من استعادة توازنها ودورها، لكن المؤكد ان اصداء الانقلاب وجدت من يستقبلها في الخارج، ومن يؤيدها ايضا، كما اتضح من البيانات التي صدرت في الساعات الاولى للانقلاب، فيما الحقيقة ان موقف الشارع العربي انحاز تماما " لارادة " الشعب التركي، وهو دليل على ان شعوبنا العربية لا تزال تتمتع بعافيتها، كما انه رسالة للشعوب التي ضاقت ويلات " الانقلاب " لكي تتعلم من تجربة الاتراك الذين صمموا على انتزاع " ديموقراطيتهم " من بين اسنان العسكر ..
صحيح، فشل الانقلاب على " الصناديق " وعلى ارادة الشعب التركي في تحقيق اهدافه، لكن تبقى مسألتان : الاولى تفاصيل ما حدث واهدافه ودوافعه " المخفية”، والاخرى ما بعد الانقلاب، لان تركيا اليوم لن تكون كما كانت قبل هذه المحاولة، لا على صعيد الداخل وملفاته المتشابكة، ولا على صعيد الخارج واجنداته المزدحمة بالصراعات والحسابات، وبالادوار ايضا .
الدستور