بركات الحكومة
وأخيرا، حسمت حكومة الدكتورعبدالله النسور أمرها، بعد التوكل على الله، وخرجت لنا بوصفتها السحرية لـ"إنصاف" الأردنيين بـ"بركات" الدعم.
أخرجت من "بركاتها" كل أسرة أردنية يزيد دخلها على ثمانمائة دينار، من دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى بخصوص تلك الأسر التي دخلها أكثر من ذلك؛ كعدد أفراد الأسرة، والتزاماتها الشهرية بالقروض الشخصية أو الإسكانية أو بأقساط الجامعات لأبنائها.
ولكن، لننظر قليلا في "خطة الدعم المحكمة" للشرائح الأقل حظا؛ فكل ما سيناله الفرد فيها هو سبعون دينارا سنويا، أي 5.8 دينار شهريا، بـ"مياومة" تقل عن عشرين قرشا. غير أن المفرح في الأمر أن الطبقات الفقيرة سوف تستطيع "التوفير" و"الربح" من هذا الدعم، وفقا لحسابات النسور الدقيقة.
لكن الحكومة لا تقول لنا إن تحرير الأسعار لن يؤثر فقط على المشتقات النفطية، وإنما سترتفع مجمل السلع الأساسية المتأثرة بالنفط، وعندها لن يجدي الدعم المباشر المقدم، حتى لو ارتفع إلى مئات الدنانير.
فكرة الدعم النقدي المباشر، في حد ذاتها، فكرة قائمة على مبدأ الفوقية، وفيها تنصّل واضح من الدولة تجاه الطبقات الأقل حظا وحظوة. وما برنامج الدعم هذا سوى محاولة لترتيق الجانب الأخلاقي من هذا الأمر، والمرتبط عادة بحب الشعور براحة الضمير. غير أن ذلك لن يجدي.
السرعة التي تتحرك بها حكومة النسور نحو تحرير أسعار السلع الأساسية، تجعلنا متأكدين من أنها مجرد حكومة "هزّ رأس" بالموافقات فقط، وأن جميع الملفات كانت حسمت منذ الأساس، وانتظرت شخصا يأخذ على عاتقه تنفيذها بحذافيرها.
الملفات التي ينفذها النسور بحذافيرها هي تركة جاهزة من حكومة الدكتور فايز الطراونة، وقليلها فقط، مجرد استكمال لتلك الخطط. لذلك، فلربما لن تمرّ علينا حكومة بمثل هذا الضعف، وبمثل هذا الوضوح في التبرؤ من أي التزام تجاه التفكير في الأزمات. ونخال أن "ابتكارات" النسور لا تتعدى قراره "العبقري" بتوقيف العمل بالتوقيتين، والذي "أنجز" إرباكات طالت جميع المؤسسات الأردنية.
كنا نعتقد أن حكومة على رأسها شخص أبدى "معارضة صلبة" في البرلمان السابق تجاه ملفات إلغاء الدعم والانتخابات البرلمانية، من الممكن أن يحاول مفاجأتنا، ولو بسطر واحد، خارج النص.
ولكن الحكومة قررت أن لا تخرق سقف توقعاتنا، وأن تؤدي أداء متوقعا في كلّ الملفات المطروحة؛ فهي لا تريد إدهاشنا في أيّ شيء، بل تريد أن تسير مثل أيّ حكومة سابقة، وبأقل مخاطرة.
حسنا إذن! ارفعوا الدعم، وحرروا أسعار جميع السلع الأساسية، ما دمتم لا تنظرون إلى الغليان الشعبي، وما دمتم لا تبصرون الجوع الذي استشرى في المجتمع، وما دمتم لا ترون جميع التصعيدات النقابية والحزبية. ولكن، هل التجاهل لكلّ هذا هو الطريق الأسلم؟
الإجابة قد تكون مهمة، وقد تكون مصيرية.