السياسة الخارجية انعكاس للأوضاع الداخلية
يحلو للبعض أن يبحث في السياسة الخارجية لبلد ما على أساس أنها متميزة عن السياسة والاوضاع الداخلية مع أن الاتجاه الحديث يشير بوضوح إلى أن السياسة الخارجية تبدأ بالداخل ، وتمثل امتداداً وانعكاساً للأوضاع الداخلية وتلبية المتطلبات المحلية.
في الحوار الثالث والأخير بين المرشحين للرئاسة الأميركية ، تحت عنوان السياسة الخارجية ، كان مدير الحوار يعاني في محاولة متكررة لرد المتحاورين إلى ميدان السياسة الخارجية لأنهم كانوا يعودون باستمرار إلى الأوضاع الداخلية ، فهي الأساس الذي تتقرر على ضوئه السياسة الخارجية.
قناعات المسؤولين عن السياسة الخارجية وخبرتهم وحنكتهم لها بالتأكيد أهمية كبيرة ولكن العامل الحاسم الذي يقرر الاتجاه العام هو مصلحة البلد المعني التي تتحقق في الداخل. وبالتالي فإن نقاط القوة أو الضعف في السياسة الخارجية هي نتاج نقاط القوة والضعف في الاقتصاد والمجتمع المحلي.
لم تنتصر أميركا في حربين عالميتين لأن قادتها العسكريين كانوا من العباقرة ، أو لأن وزراء الخارجية والدفاع كانوا متميزين ، بل لأن الاقتصاد الأميركي كان صاعداً وتمكن من دعم جيوش الحلفاء ومدهم بعناصر القوة.
ولم يلتزم رؤساء أميركا المتعاقبون بدعم إسرائيل دون تحفظ عن قناعة بحق إسرائيل ، بل استجابة لضغوط داخلية ، وفي المقدمة اللوبي الإسرائيلي وأصوات اليهود والصحافة الأميركية.
ولم تنسحب أميركا من العراق وتخطط للانسحاب من أفغانستان حباً بالسلام ، بل لأن الموازنة الأميركية لا تطيق تكاليف الحرب في ظل العجز الكبير والمديونية المرتفعة.
هناك انطباع غير صحيح بأن السياسة الخارجية للأردن تتقرر وتمارس من الديوان الملكي ، وإن السياسة الداخلية متروكة للحكومة ، أي أن هناك فصلاً بين السياستين الداخلية والخارجية ، صياغة وممارسة.
والصحيح أن السياسة الخارجية للأردن محكومة باوضاعه المحلية ، وخاصة الاقتصادية والمالية. أما العوامل الداخلية التي تقرر المواقف واتجاهات السياسة الخارجية والعلاقات مع مختلف الدول العربية والأجنبية فنذكر منها: شح الموارد الاقتصادية ، عجز الموازنة العامة ، ارتفاع حجم المديونية ، تدفقات الاستثمارات الخارجية ، فائض القوى البشرية ، الموقع الجغرافي ، البنية الديمغرافية ، الحدود المشتركة مع إسرائيل ، أزمة الطاقة والمياه ، الخدمات العلاجيـة ، التميز العسكري والامني ، اتجاهات الرأي العام المحلي ، والحراك الشعبي.