إعفاءات بالجملة
كلمة الإعفاء هي الكلمة الأكثر تكراراً في أخبار الصحف اليومية، وهي تصف قرارات اتخذتها الحكومة لأن كلفة الإعفاء غير محسوسة ولا تظهر في الحسابات، ولا تحتاج لمعاملات وإيصالات، ومن يدري فقد تكون الإعفاءات اللازمة أكبر من العجز في موازنة الدولة، فهي تمثل مدفوعات غير منظورة.
كان صندوق النقد الدولي قد لاحظ السهولة التي تمر بها قرارات الإعفاء، خاصة وأن هذه الإعفاءات تكون في العادة مفتوحة، فلا ترتبط بزمن معين، وبالتالي تتحول إلى حقوق مكتسبة لا ُتمس.
الصندوق قرر أن لا يتدخل في قرارات الإعفاءات، فالحكومة أدرى بالمصلحة العامة والأهداف السياسية والاجتماعية التي ترد في ذهنها، ولكنه طالب باعتبار الإعفاء نفقه تدخل في الحساب وترد ضمن النفقات المتكررة وبالتالي تخضع للتدقيق كأي نفقة أخرى.
حسب علمي أن وزارة المالية لم تقبل الفكرة فقط بل تحمست لها، ولكن مع مرور الوقت تم طي الفكرة لأنها قد تكشف عن حقائق مرعبة كـأن تشكل الإعفاءات نسبة عالية من النفقات تثير التساؤل وتتطلب التفسير والتبرير.
هذه الحكومة أدركت خطورة الإعفاءات، وأعلنت أنها ستعيد دراسة كل واحدة منها تمهيداً لإلغائها إذا ثبت أنها لم تحقق غرضاً مثل زيادة الإنتاج أو تخفيض الأسعار بحيث يمكن تمرير جانب من الإعفاءات لصالح المستهلك وليس لمجرد زيادة أرباح المستفيدين من الإعفاء.
عملياً لم يحدث شيء من هذا القبيل، وربما تكون الإعفاءات التي صدرت عن الحكومة الحالية أكثر عدداً وقيمة من الإعفاءات السابقة التي كانت ستدرس للتأكد من جدواها.
هناك دائماً مبررات للإعفاءات لأنها عكس الضرائب، ولكن إذا كانت الإعفاءات مفيدة لهذه الدرجة التي تبرر الكلفة العالية فلماذا لا تعاد دراسة الضرائب نفسها، فمن المؤكد أن إلغاء ضريبة أو تخفيضها تلقى نفس الترحيب الذي تلقاه الإعفاءات إذا كانت الشعبية هي الهدف النهائي.
من المفيد والحالة هذه، وتطبيقاً لمبدأ الشفافية، أن يضاف بند خاص في الموازنة بعد بند النفقات الجارية هو بند الإعفاءات والاستثناءات، ليتضح أن إلغاء الإعفاءات يكفي لسد العجز في الموازنة.
الإعفاءات غير اللازمة من جهة، والدعم الاستهلاكي من جهة أخرى، بالوعات تتسرب من خلالها الموارد المالية.
هذا الهدر يجب أن يوقف: وإذا لم توقفه هذه الحكومة، فلن توقفه حكومة أخرى.
الراي