لأي برلمان ستأخذنا الانتخابات..؟!
الى اين ستأخذنا الانتخابات البرلمانية ؟ باتجاه مجلس مختلف نوعيا وقادر على دفع حركة الاصلاح في بلدنا، وكبح جماح الحكومات وفرملة مقرراتها واجرائاتها، ومواجهة الاخطار التي تحدق بنا من كل اتجاه، ام الى مجلس لا يختلف عن المجالس السابقة، باداء متواضع وايقاع " ممل " وادوار مقررة سبقا .
تحتاج الاجابة الى ثلاث اضاءات : الاولى ان بلدنا يواجه اوضاعا داخلية صعبة، منها ما يتعلق بانسداد الافق السياسي ومنها ما يتعلق بازمة المعيشة وتمدد جيوب الفقر وتصاعد ارقام البطالة وانتشار ثقافة الاحباط لدى فئات الشباب وما تولد عنها من ظواهر الاقدام على الانتحار وشيوع العنف والتطرف، اما الاضاءة الثانية فهي ان مرحلة الربيع العربي التي تجاوزناها – او هكذا يفترض – افرزت حالتين : احداهما تمثلت باحساس عام لدى قطاعات من المجتمع ان " المستور " انكشف تماما، وان الاصلاح اصبح ممرا اضطراريا لضمان استقامة، " الشان العام "، واذا كان ما حدث في الاقليم عطل” قطار” الاصلاح فان الاصرار على عدم دفع عجلاته للامام سيكون خطأ كبيرا، وبالتالي فان الرهان على " الصناديق " مجددا يجب ان يكون فرصة للمراجعة ثم لاستئناف مشوار الاصلاح وكسر حالة الجمود التي اصابته، فيما تمثلت الحالة الثانية : باحساس لدى البعض ان البلد تجاوز فترة الاحتجاجات وانتصر على " الحراكيين " واعاد عقارب الساعة الى الوراء، وبالتالي لا يوجد حاجة لاستئناف الاصلاح ولا حتى الانصات لاصوات الناس ومطالبهم البسيطة .
تبقى الاضاءة الثالثة وهي ان ما يحدث في الاقليم يشكل تحديا وتهديدا مباشرا لامننا واستقرارنا، فنحن جزء من هذه المنطقة نؤثر فيها ونتأثر بها، وبالتالي فان مقاربتنا السياسية يفترض ان تنسجم مع الاحداث والوقائع التي نواجهنا، كما يفترض ان نتعامل معها بمنطق الفهم والاعتبار لا بمنطق الاستهانة والانتظار .
ما علاقة ذلك بالسؤال حول الطريق الذي نريد ان تذهب بنا الانتخابات اليه ؟، الاجابة تحتمل فرضيتين : الاولى تعتمد على تصور يروج له البعض ويستند الى اعتبار الانتخابات البرلمانية مجرد استحقاق دستوري، وان اجراءها في موعدها، بغض النظر عن التفاصيل الاخرى، يكفي لاقناع الناس ان " المجتمع بخير " وان الصناديق مهما كانت النوعيات المنخبة ستفرز " برلمانا " يمثل ارادة الناس، والافضل ان يكون هذا البرلمان كالبرلمانات السابقة، منسجما تماما مع المطلوب، مما يتيح للدولة ان " تسترخي” وللسياسة ان تتحرك كما تشاء في افلاك محددة، ويعتقد هذا البعض – هنا – ان الاصلاحات التي تمت تكفي وزيادة، وان الانتخابات اكبر اثبات على ان قطار الاصلاح وصل الى محطته الاخيرة بامان .
اما الفرضية الاخرى فتقوم على تصور يتناقض تماما مع التصور السابق، حيث يعتقد البعض ان الانتخابات فرصة لاحداث " نقلة " نوعية في حركة الدولة باتجاه الاصلاح، وفي حركة المجتمع باتجاه استعادة الثقة بنفسه وبلده ومستقبله، وفي قدرة الطرفين معا على مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، داخليا وخارجيا، حيث تبدو هذه الاستحقاقات وما يترتب عليها من خيارات واضطرابات مرتبطة بقدرة البرلمان الذي يمثل الناس على التعامل معها بكفاءة، وبما يقنع الناس ان هذا البرلمان يمثلهم حقا ولا يمثل عليهم كالعادة .
ربما يقال هنا ان " منتج " الانتخابات، حتى وان كانت بمنتهى النزاهة، لن يكون بمستوى احداثه هذه " النقلة " النوعية المطلوبة باتجاه تغيير الصورة ومواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، ليس فقط لان قانون الانتخاب لا يساعد على ذلك، وانما ايضا لان " تعطل " السياسة وجفاف قوى المجتمع ونخبه وانسحاب الناس من المشاركة وعزوفهم عن العمل العام وعدم ثقتهم بالوعود، تصب كلها في عنوان واحد وهو تواضع " المنتج " الانتخابي، وقد يبدو هذا الكلام صحيحا، باعتبار ذلك نتيجة لسياقات معروفة ومفهومة، ولتجربة طويلة من " انحسار " الديمقراطية، لكن مع ذلك، لابد ان نضع اقدامنا على بداية الطريق، وان نعتبر هذه الانتخابات فرصة حقيقية لتحويل " المسار " والانطلاق نحو مرحلة جديدة، ربما تكون غير مكتملة، لكنها اذا توافرت الإرادة السياسية ستكفي لإقناع الجميع أن الأفق أصبح مفتوحا لولادة الأمل من جديد.