2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

سؤال اردني مخجل..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 :

لا سامحهم الله هؤلاء الذين يحاولون ان "يزرعوا” بذور الكراهية في مجتمعاتنا ، ولا سامحهم الله اولئك "اللاعبين” الذين يقفون في كافة الملاعب لتهييج الغرائز واشاعة التعصب و”اللعب” في اعز ما نملكه من مشاعر ، ولا سامحنا الله اذا لم نبدأ على الفور بالعمل لتجفيف منابع الكراهية في مجتمعاتنا، ومد جسور المحبة والثقة والانسجام بيننا ، والانحياز دائما لبلدنا هذا الذي يستحق -مهما اختلفنا - ان نفديه بالمهج.
لم اكن اتصور ان لدينا هذا المخزون العظيم (!) من الكراهية ، لكن ما جرى على ضفاف حوادث بشعة صدمتنا في الايام الماضية ( آخرها مقتل الكاتب ناهض حتر) ذكرني بما انتهى اليه المرحوم سعد جمعة ، رئيس الوزراء الاردني الاسبق ، حين وصف مجتمعاتنا العربية بأنها مجتمعات كراهية ، لقد سقطنا بامتياز في امتحان التسامح حين كان موضوعه نحن: مواطنون نتقاسم الدين والتاريخ او العيش المشترك في الوطن الواحد، او اشقاء تشغلنا ذات القضايا ويوحدنا ذات المصير.
اتساءل بمرارة: لماذا غابت ثقافة التسامح والمحبة والاخوّة بيننا مع اننا اكثر تسامحا مع غيرنا؟ لماذا تفجرت براكين "الانتقام” بيننا مع ان "وردنا” الدائم الذي نكرره عشرات المرات في مساجدنا كل يوم ينتهي "بالرحمن الرحيم”؟ او يردده اخواننا في كنائسهم " أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم‏,‏ وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم‏,‏ وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم‏” . ‏لماذا عجز "تديننا” عن قلع جذور التعصب من تربتنا وفشلت ثقافتنا في ازاحة "قناع” الخصومة عن قلوبنا ووجوهنا؟ ولماذا استدعينا من تاريخنا "داحس والغبراء” ولم نستدع "حلف الفضول” ولا "الايام الحرام” التي كان اجدادنا في الجاهلية يتوقفون فيها عن القتال والصراع وممارسة اي فجور؟
من أين دخلت الى نفوس الناس في بلادنا هذه الطاقة المتفجرة من الكراهية والشعور بالعداء والتعصب والانتقام ، هل هي ثقافة ام مرض؟ نتيجة لما نعانينه من عجز ام وسيلة للتغطية عليه؟ هل المسؤول عنها هو الكيد السياسي ام التردي الاقتصادي ام التدين المغشوش ، أم انها استوعبت كل ذلك وصهرته في حالة من الانفجار الجمعي الذي يعبر عن أسوأ ما في الانسان من غرائز وشرور واحتجاجات مكبوتة وشعور بالدونية والقهر والبحث عن الخلاص ، حتى لو كان بالانتحار.
لم تكن حوادث مفزعة مثل مقتل شخص او فتاة او التباس في صناديق الانتخابات او خلاف بين سائقين في الشارع - وحدهها -من أعادنا الى طرح هذا السؤال (الاردني ) المخجل في مواسم تحتفي فيها غيرنا من الامم بسقوط جدران الكراهية ، وتنشغل بقضاياها الكبرى وفتوحاتها العلمية والعسكرية والحضارية ، (لاحظ هنا بماذا انشغلوا وبماذا ننشغل؟،) ، فلقد ترسخت مجالات الكراهية في أعماق انساننا العربي الى درجة يصعب فيها ان تجد مجالا للتسامح ، وانتشرت امراض الكراهية بيننا ثم انتقلت عدواها لتشمل الجميع ، حتى اصبحت وباءً عاماَ (أين منه وباء السل الذي كانت دولنا فيما مضى تحتشد لمواجهته؟،) ، فثمة حروب كراهية بين الاشقاء داخل اوطانهم الواحدة ، ودعوات للانفصال والتقسيم بدافع الكراهية ايضا ، وصراعات وحروب مذهبية لا مبرر لها سوى الكراهية ، وسجالات فكرية واعلامية تتغذى بالكراهية ، واخيراً مباريات رياضية في ميادين الكراهية تتحول الى حروب دبلوماسية تبدأ باستدعاء السفراء وشحن الجماهير بالعداء وقد تنتهي الى قطع العلاقات او التهديد بارسال القوات لحسم المعركة الكروية المخجلة على جبهة العسكر ، بعد ان حسمت في ارض الملعب.
كيف وصلت بلادنا الى هذا المشهد القاتم من العجز ، وكيف استسلم الناس لغرائزهم وتنازلوا عن كبريائهم لحساب كرة من المطاط والهواء تحولت فجأة الي كرة من الكرة والتعصب مملوءة بالهواء المسموم ، او لحساب فكرة مغشوشة تبناها متخلف اصبح يتحدث باسم الله وكأنه وكيل عنه في الارض ، هل هي لعنة الاقدام ام لعنة العقول؟ لعنة السقوط ام لعنة القنوط؟ لعنة السياسة بما افرزته من جهل وفقر وخوف ام لعنة الثقافة الدينية والقومية التي تحولت الى بضاعة فاسدة تباع للجماهير الجائعة؟
انه كل ذلك بالطبع ، لكن الأدهى من ذلك هو أننا ما نزال مشغولين بهذه الصراعات الوهمية على حساب قضايانا الكبرى:هل كانت هذه النخوة ستنفجر بهذه الصورة لو كان المعتدي على كرامتنا الوطنية (دعك من كرامتنا القومية التي تحولت الى ملطشة) طرف غريب او غاز محتل ..؟.

 

 
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير