jo24_banner
jo24_banner

الأردن في عين العاصفة: عندما يتحول العمق الاستراتيجي إلى مصدر تهديد

د. حسن البراري
جو 24 :
تصفُ مقولة وليام شكسبير "لا يستقر قرار للرأس الذي يحمل التاج" بدقةٍ متناهيةٍ قلقَ ملوكِ الأردن التاريخي حول مسألة بقاء الأردن، فالأردن ومنذ الاستقلال يسعى لخلق نظام إقليمي يسمحُ له بالبقاء، وشكّل اشتباكه الايجابي داخليا وخارجيا مدخلاً ناجحاً لتحقيق هذه المعادلة.

ثمة مدرسة في التحليل الاستراتيجي تفيدُ بأن التحالفات العربية التي كان يقيمها الملك حسين رحمه الله كانت تهدف لتحقيق غرضين: اولا، تغطية العجز في الموازنة العامة من خلال الحصولِ على مساعدات نقدية واقتصادية، وهذ مدرسةٌ تتزعمها البروفسورة الأمريكية لوري براند والتي تصرُ على أن سياسة الأردن الخارجية مصممةٌ لتعظيم المكاسب التي عرّفتها بتغطية العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة. ثانيا، هدفُ السياسة الخارجية هو خلق عمق استراتيجي للأردن في مواجهة التوسع الإسرائيلي وهذا رأيٌ ينسجمُ مع مرتكزات مدرسة الواقعية الجديدة التي تحدث عنها البروفسور الأمريكي الراحل كيناث والتز. ويعد مستوى التحليل الذي يأخذ بالحسبان مسألة تصورات صانع القرار الرئيسي (الملك) لمصادر التهديد لبقاء النظام المستوى الأهم لفهم تحركات السياسة الخارجية الأردنية. وبهذا المعنى يمكن فهم التحالفات الاقليمية المتغيرة التي أقامها الأردن على مدار عقود خلت.

ولفهم موقف الأردن من العراق وما يجري بها من حرب على داعش ينبغي أن نتوقف عند مسألة هامة تعلق بمصادر التهديد: فهل تشكل داعش التهديد الأبرز الذي يبرر انحياز الأردن للحكومة المركزية في العراق وما تعنيه من امتثال لإيران أم أن نجاح إيران في مشروعها الاقليمي في العراق وسوريا هو من يشكل مصدر التهديد الداهم، أم أن مصدر التهديد كان وما زال إسرائيليا بامتياز؟!

سأسرد فهمي للتحول في التحالفات الأردنية تاريخيا حتى نحدد مصدر التهديد الرئيس. فعندما سطع نجم التحالف الوطني الديني في إسرائيل والمتمثل بالتحالف التاريخي بين الليكود والمفدال عام 1977 برز للسطح مقولة أن "الاردن هي فلسطين" وهي مقولة نادى بها شارون وشامير، وفي هذا السياق كتب المحلل العسكري الاسرائيلي الأبرز لصحيفة هآرتس زئيف شيف (توفي قبل سنوات ماضية) كتابا عن حرب لبنان جادل فيه بأن الهدف النهائي للحرب الفاشلة كان الانتقال إلى الوطن البديل واحداث ترانسفير للفلسطينيين، وما علينا إلا قراءة مقالة هامة لرئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق شامير في مجلة الفورن افيرز الاميركية الأشهر والذي نشر عام 1988 للتوقف على جدية استهداف الأردن من قبل الليكود.

على عكس غيره، التقط الملك حسين بحسه الاستراتيجي العميق فداحة التحول في المشهد السياسي الإسرائيلي واتجه نحو بغداد، فالتحالف مع صدام حسين كان يهدف لتعزيز عمق الأردن الاستراتيجي أمام تراجع إسرائيل عن الخيار الاردني (الذي كان يرفضه الملك) ووصول انصار مدرسة تحويل الاردن إلى فلسطين إلى مواقع السلطة. بمعنى آخر، كشف الملك حسين هشاشة التحالف مع حافظ الأسد (الذي كان ايضا يستهدف الاردن ضمن رؤيته عن سوريا الكبرى) وانتقل إلى التحالف مع العراق حتى يتسنى للأردن الحفاظ على العمق الاستراتيجي له.

ما من شك أن الأردن فقد العمق الاستراتيجي مع ما حل بالعراق من كوارث أهمها نجاح إيران من تحويل العراق إلى دويلة تأتمر بأمر المرشد الأعلى، واستفادت طهران من توجه الولايات المتحدة الجديد القائم على فكرة "تمكين الشيعة" لأن "التطرف هو سني". وهكذا تحول العمق الاستراتيجي للأردن إلى مصدر للتهديد ايضا. وإذا ما نجحت إيران في خططها بسوريا واحكمت قبضتها على السياسة العراقية فلا يمكن القول أن الاردن له عمق استراتيجي في الشرق. فالتحول في العراق خطر، فدولة الاكراد هي بالضرورة عميلة لإسرائيل ولأسباب تاريخية ودولة بغداد ستكون في حضن إيران وكذلك سوريا المفيدة.

يقول شلومو بروم، أبرز المحللين الاستراتيجيين الاسرائيليين الحاليين والذي كان مديرا لشعبة التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي أنه لا حلَ لقضية فلسطين إلا بدور أردني، وقبله كتب غيورا إيلاند كتابا نشر في مركز بيغن- سادات بجامعة بار إيلان الاسرائيلية يدعو فيه لحل اقليمي يتجاوز الفلسطينيين ويجبر الأردن على التدخل في الضفة الغربية (ناقص القدس والاراضي التي تقوم عليها المستوطنات). والحديث عن دور أردني يعني تحميل الأردن تبعات الحل والحديث هنا بالضبط عن وسيلة لتحويل الأردن إلى وطن بديل.

اجزم بأن قدرة الأردن على صد المخططات الصهيونية تكون أقوى إن كان عمقه الاستراتيجي سليما وليس معاديا، واجزم أن سيطرة إيران على العراق وسوريا وقيام دولة كردية في شمال العراق يعني من جملة ما يعني حرمان الاردن من العمق الاستراتيجي الضروري، وعليه سيكون الأردن أقل قوة في مواجهة ما يدبر له في ليل! ويزداد الأمر فداحة عندما يربط الأردن نفسه باتفاقية غاز مع إسرائيل سيكون لها تبعات استراتيجية لا تفهمها نخب وادي عربة ولا الليبراليون الجدد الذين ساندوا الاتفاقية.

وإذا كان هذا التحليل صحيحا، واحسبه كذلك، عندها يمكن لنا ترتيب مصادر التهديد كما يلي: أولا، إسرائيل، ثانيا، الخطر الإيراني وامتداداته الاقليمية، ثالثا، داعش. بالنسبة لمصدر التهديد الأخير، نعرف بأنه ليس تهديدا وجوديا للأردن على عكس التهديدين السابقين، والسؤال المطروح أمام النخب الحاكمة في الأردن يتعلق بوجود أم عدم وجود استراتيجية للتعامل مع اقليم متغير خال من داعش!
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير