jo24_banner
jo24_banner

سُجونٌ مُلونة

جو 24 :

بدون جدوى، ذهبت محاولات "أم مرزوق" أدراج الرياح لثني المختارعن سرقاته المتعددة من صندوق بلدية القرية وتزويره لانتخابات مجلسها، ناهيك عن صفقاته المشبوهة لأراضي القرية وسمسرته التي حولت أهل القرية الى غرباء، حَلفّته بكل الأولياء والائمة الصالحين أن يكف يده عن أموال اليتامى والمساكين وفلاحي القرية الذين استأمنوه على أموالهم وأن يُعفف بيته بالحلال والمال الحسن، لكن "أبو مرزوق" كان كلما زادت سلطاته زاد طمعة وفساده وفاحت رائحة جشعة الذي لم ينتهي إلا في اليوم الذي قررت "أم مرزوق" فيه فضح أمره والإبلاغ عن كل أمواله المنهوبة التي لطّخت سمعة العائلة والعشيرة.


أعُتقلَ "أبو مرزوق" بعدها بالجرم المشبوه وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات لم تشف غليل أهل القرية الذين ذاقوا الامرّين من سرقاته وفساده الذي أورثهم الفقر والعوز. كان الجميع يدرك أن مدة الحكم قليلة بالنسبة لسرقاته التي أنكرهها جميعا يوم محاكمته، كانوا يعلمون ايضا أنه وبحكم علاقاته على أعلى المستويات سيقيم في أرقى السجون وأفخمها وسيكون مُعززاً مُكرماً. سِيق "أبو مرزوق" ببدلة زرقاء مخفورا إلى السجن الذي لم يبعد بضع كيلومترات عن قصره الذي لم ينتهي من بناءه بعد، كان مايزال كما عهده الناس، صلداً متعجرفاً وذو لسان سليط .


خَوفه من السجن والزنازن المُقفلة بإحكام زالَ بمجرد دخوله لقرية "الرميمين"، تمحّص "المختار" جيداً سجّانه الذي ارتدى بزّة عسكرية أنيقه، "هل تأمر بشيء ابومرزوق" ، قال السجّان مبتسماً، "ها... ، أتكون هذه نكته من احدهم" ، حَدّث نفسه، ثم مدَّ يده بخمسين ديناراً التقطها السجّان بمهارة عالية ثم أودعها بجيبه؟ إلى أين نحن ذاهبون يا أبن العم؟ قال "أبو مرزوق" وقد إنقشعت عنه صُفرة الخوف. إلتفتَ السجّان إليه هذه المرة ثم "تأ تأ" كخادم مطيع: الى سجن "الرميمن" الجديد يا مختار المخاتير.
نظر من نافذه الزنزانه المتحركة، كانت الأشجار تحيط بالسجن من كل صوب، أصوات العصافير حوله ذكّرته برحلات الربيع التي كان يقضيها وسط مزرعته، كانت شلالات المياه تزيد المكان من حول السجن سِحراً وتُحيله الى جنّة من قصص الخيال، إعتلى السجن قمة الجبل كَدمّلة حَفرت منتصف رأسه وشتّتت تسريحة شعره بينما قبعت بيوت أهل قرية "الرميمين" في أسفل الجبل كعلب كبريت لوثها نتوء السجن وجبروته.


إقتربت سيارة السجن من الباب الرئيسي فهرع إثنان من الحرس لإستقبال النزيل الجديد، كان البناء شاهقاً كفندق ريفي لأصحاب الشهرة والملايين، الأزهار افترشت جانبي السجن وزادته "حَلاه" ، والأشجار كست ردهاته الخارجيه. إقتاد الحرس أبو مرزوق للبهو الرئيسي الذي أفضى الى ثلاث صالات بألوان مختلفة : أحمر، أخضر وأزرق، وقف موظف الإستقبال في مقدمة الصالة الزرقاء مُرحباً بقدوم "أبو مرزوق"، لكن المختار وقف مندهشا كصنم مُصمتٌ أمام الصالات ذات الألوان الزاهية، ضحك موظف الإستقبال ثم وجه كلامه "لأبو مرزوق" : يؤسفني أن حجزك سيكون في الجناح الأزرق المخصص لأصحاب السعادة ، الأجنحة ذات الألوان الحمراء والخضراء مُخصصةٌ لأصحاب المعالي والعطوفة .
أحمر ، أخضر ، أزرق ...
نتمنى لكم اقامة طيبة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير