الحمار يعلو
كان خروجه من السجن بعفو عام ضربة قاسمة لكل اعدائه، اما اسقاط التهم المسندة اليه فقد هزت كل المخاتير في القرى المجاورة: غسيل اموال، استثمار الوظيفة العامة والاثراء بغير وجه حق، كلها ذابت بقرار القاضي، صار صبورا كحمار اخضر تقطعت به السبل ولم يجد له معينا، فلما لا يكون شعاره الان؟ حتى اقرب الناس تشفّوا به ، ودّ لو يستطع الخروج من اول يوم لاقتلاع عيونهم واستلاب اموالهم مرة اخرى، لكن صبره لم يذهب سدى، فقد اعد الخطة وعقد العزم على الترشح والفوز بالانتخابات .
كتلتة الانتخابية التي اعدها بعناية تكونت من خمسة عشر اسما، تعمّد ان يختارهم عن سوء طالع ومن ذوي التعليم المتوسط وممن تنقصهم الكفاءة والخبرة، لا بل ان بعضهم كان من اصحاب السوابق والجنايات الكبرى وأشيع ان احدهم يعاني من مرض نفسي مزمن، لكن... وكما يقول المثل "اللي تعرف ديته ...طخه" : مسلم ابو عيون ، مية الف ، مراد الحقنة ، سبعين الف ، معمر الحراث ، خمسين ، متعب القزعة ، ثلاثين، معيوف الصفاة ، عشرين ، اما باقي الاعضاء فقد قبض كل واحد منهم عشرة الاف دينار لقاء انضمامه لكتلة المختار .
فوزه في الانتخابات يقضي ان تكون "الجيبة عمرانه " وان يتم استغلال كل مناسبة سعيدة او محزنة لإعلان اسمه، وهذا سيكون مكفولا بهدايا تقدم لكل من زار مقره الانتخابي وتوزيع اسطوانات غاز مجانية لاهل القرية بشكل مستمر لغاية يوم الانتخابات، عوضا عن مغلفات النقود التي تعطى لكل من يسلم بطاقته الانتخابية لعصام النمس ، منسق حملتة الانتخابية ، اما المفاجأة التي صعقت الجميع فهي زيارات كبار الوزراء السابقين ورجالات الدولة لمقر ابو مرزوق الانتخابي .
كان اهل القرية ينتقدون المختار في الصباح ويتهمونه باستخدام المال السياسي في حملته الانتخابية، لكن اعينهم كانت تلتقي في المساء بشكل خجول تحت قبة خيمته التي تكتظ بالحضور، وفي نهاية السهرة كانت اياديهم تلتف حول اطباق المناسف التي كان يعدها لهم وبشكل يومي وتنطلق السنتهم بعدها بالدعاء له بالتوفيق.
أما قلوبهم فقد انتفضت في يوم الرابع والعشرين من كانون الثاني عندما انطلقت زغرودة من بيت المختار صاحبها اطلاق كثيف للعيارات النارية مؤشرة بفوزه كمرشح نيابي في المجلس السابع عشر.
خرجوا للشارع المقابل لمقره الانتخابي، انتظروا لساعات عديدة لتقديم التهنئة والتبريك. لكنهم لم يفلحوا بذلك .
وحدها كانت صورة الحمار تعلو امامهم ... صبورا ومبتسما.