2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الموصل والصحوة الشيعية سقوط ورقة التوت

د. حسن البراري
جو 24 :
ربما لم يسترعِ كتاب البرفسور الأمريكي من أصلٍ إيراني فالي نصر الذي حمل عنوان "الصحوة الشيعية" انتباه إلا القليل من الباحثين العرب، فالكتاب الذي كنتُ أحرص على إدراجه كأحد مراجع مساقات السياسة الشرق أوسطية التي كنت أُدرّسها في أمريكا لم يكن محايدا بطبيعة الحال، بل كان يسوِّق إيران في الغرب ومهّد مع غيره لمفهوم التمكين الشيعي الذي آخذ في نهاية الأمر شكل خلق توازن جديد بين السعودية وإيران وما استلزمه ذلك من اتفاق نووي.

ويصر والبرفسور فالي نصر ومنذ سقوط نظام صدام حسين أن حائط السنة "العدائي" قد انهار وعليه فإن الصحوة الشيعية ستشكل حائطاً لصد ومنع عدة هيمنة السنة على المنطقة. وبهذا المعنى برر مسألة الاحتراب الطائفي كمتطلب لإعادة ترتيب العراق بشكل يخدم مصالح إيران، فعراق محكوم من الشيعة لا يشكل تهديدا لإيران لأن الشيعة لا يحاربون بعضهم البعض على حد تعبيره.

الحرب على مدينة الموصل ليست حرباً من أجل طرد داعش، فلو لم تكن داعش موجودة فعْليا لخُلقت حتى يتسنى المضي باستراتيجية "التمكين الشيعي" حتى نهاياتها. فالاستئصال السياسي لسنة العراق بحاجةٍ إلى مسوّغ، وهنا تأتي داعش لتقوم بدور الفزاعة (bogyman) التي تشكل سحابة دخان تخفي خلفها بشاعة استراتيجية التمكين الشيعي. نحن العرب بشكل عام اكتوينا بنيران الفزاعات التي وظفت من قبل كل طامح لتمرير مخططات لم تكن تساعد على الاستقرار ولا على خلق شروط التنمية الحقيقية، ولا غرابة عندها عندما نتذيل دول العالم في أغلب مؤشرات التنمية.

وحتى لا أخرج كثيراً عن الموضوع أعود للحديث عن ضرورة استئصال الظروف التي تنتج التطرف (داعش أحد تجلياتها)، بالفعل هناك ضرورة إنسانية وسياسية واجتماعية واقتصادية للتخلص من تنظيم داعش، لكن ما يجري في الموصل يتجاوز داعش ليصل إلى تفكيك منطقة المشرق العربي وإعادة تركيبها ما يستلزم ضرباً من الصراع الهوياتي.

لو كانت العراق دولة لكل مواطنيها تشترك كل مكوناتها في إدارتها لما سقطت الموصل بيد داعش ابتداءً، وحتى لو سقطت لما خشيّ سنة العراق من دخول القوات "الحكومية" إليها! فنظرة سريعة إلى طبيعة القوات التي "ستحرر" الموصل تكشف عن قبح المشهد برمته. سلاح الجو الأقوى في العالم يقدم غطاءً جوياً لقوات شيعية (الجيش العراقي والحشد الشعبي وقادة إيران) ستدخل الموصل ولا نستبعد ارتكاب جرائم حرب ومجازر بحق عرب السنة. طبعا البيت الأبيض يستمر في التضليل ويصرّ على أن طائراته لا تقدم دعما لقوات الحشد الشعبي، أي تضليل هذا! لماذا لم تشترط إدارة أوباما إبعاد الحشد الشعبي لقاء مساندة سلاح جوها للقوات العراقية البائسة؟!

وحتى تكتمل فصول مسرحية التمكين الشيعي، تدخل قوات الحشد العشائري (من سنة العراق) هذه المرة إلى المشهد لتقوم بدور الكومبارس، فهي لا قيمة لها على أرض الواقع لصغر حجمها وانعدام تأثيرها على الاستراتيجية ككل، وينحصر دورها في خلق انطباع بأن عرب السنة مشاركون في "التحرير" وسينتهي دورها حالما يتم دحر داعش. فالمعركة على الموصل هي طائفية بامتياز.

مستقبل الموصل كما هو مستقبل المشرق العربي محفوف بالمخاطر، فهزيمة داعش عسكرياً والإبقاء على ظروف التطرف لن يغير في واقع الحال كثيراً، فأي سياسة لا تأخذ بعين الاعتبار واقع التنوع الطائفي والعرقي في المنطقة ستكون قاصرة، ولم يعد ممكناً في ظل الصحوة السياسية الكونية لفريق ما أن يستأثر بالحكم على حساب غيره وينتظر الامتثال، فالوعي الجمعي تغير ومعه تتغير قواعد اللعبة.

كتبت غير مرة ما يفيد بأن قوة إيران ليست ذاتيه وإنما مرتبطة بتحالف الأمر الواقع مع إدارة أوباما في العراق وبتشرذم الدول السنية وعجزها عن الاتفاق على استراتيجية موحدة حيال ملفات المنطقة. فما تقوم به إيران والحكومة العراقية التابعة لإيران يُسقط ورقة التوت عن الجميع. وعليه فإن العراق الذي كان سنداً قويا للعرب وسداً منيعا أمام التوسع الفارسي يتحول إلى حصان طروادة لإيران.

ما من شك ان حرب العراق في عام 2003 شكلت المنعطف الاكثر أهمية بالنسبة للشيعة لأنها افضت إلى انحسار السنة بشكل عام وشكلت مدخلا جديدا لتعاون أمريكي مع الاكراد والشيعة (الأعداء التقليديين لنظام صدام)، وزاد من الطين بلة حقيقة تشرذم القوى السنية في العراق وغياب دور الدول السنية الفاعلة. في النهاية يعاني السنة في المنطقة من انكشاف استراتيجي غير مسبوق في التاريخ المعاصر سببه الفورة الدعائية الطائفية وتحالف امريكا مع إيران وتجذر التمكين الشيعي وانهيار الحائط السني.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير