قراءات عمودية لمشاهد أفقية!!
هذا النمط من القراءات سواء كان لمشاهد سياسية أو لكتب هو الوصفة النموذجية لما يُسمى الاختزال، وهناك بالفعل من يقرأون بشكل عمودي بحيث يضيع عليهم الكثير من الأطراف والهوامش، ومعظم ما كتب عن اعلان الدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة هو من هذا الطراز، فالهوامش في هذا السيّاق قد تكون أهم من المتن ذاته، ومنها تعهد السلطة الفلسطينية بعدم مقاضاة مجرمي الحرب الاسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية وعدم تحديد مفهوم حق العودة والى أين؟ وهذا، تكرر في قراءة الزيارة التي قام بها فلاديمير بوتين الى تركيا، وفي اللحظة الحرجة التي بدت فيها دمشق كما لو أنها على وشك اسدال السّتار وانهاء أزمة دامت عشرين شهراً بتكلفة بشرية تجاوزت الثلاثين ألف قتيل وملايين المتشردين في الداخل والخارج!
حسب تلك القراءة العمودية الاختزالية فان روسيا قررت أخيراً قبول الأمر الواقع، وانها بصدد اعداد صفقة مع تركيا على حساب النظام الذي شهرت الفيتو بضع مرات من أجل ابقائه، لكن الحقيقة ليست هكذا، وانما التفكير الرغائبي لدى متعجلي نهاية الأزمة هو الذي يدفعهم الى هذه القراءة العمودية بتغير للنبرة وايقاعاتها، فهي تارة حادة وعالية وتارة خافتة، لكن المحتوى لم يطرأ عليه حتى الآن أي تغيير يمكن وصفه بالدراماتيكية.
والقراءات العمودية شملت أيضاً العدوان الأخير على غزة، والهدنة التي لا يراهن أحد على أنها طويلة الأمد خصوصاً بعد أن ودع الجنرال باراك عمله السياسي والعسكري بوعيد لغزة قال فيه ان العدوان لم يكتمل وأمام اسرائيل جولة أخرى بعد بضعة أشهر لاستكماله برياً.
ان البعض يقرأون المشاهد سواء كانت سياسية أو حتى اقتصادية بأسلوب يتسبب في حذف الكثير منها.. وبالتالي عدم الاحاطة البانورامية بزواياها!
وهناك طيور وكائنات تفعل ذلك بحيث لا ترى الا عموديا، وبالتالي يكون صيده سهلاً من الجوانب والأطراف، وما يغري البعض بهذا النمط من القراءة العمودية الاختزالية هو الخضوع للسائد والمتداول فضائياً واعلامياً، وخصوصا بعد أن خلق الفضاء المؤدلج نزعة قطيعية تجعل الناس يصدقون ما يسمعون حتى لو اضطروا الى تكذيب ما يرون بالعين المجردة.
حتى مصر في ذروة هذا النزاع الأهلي تتم قراءة مشاهدها عمودياً، بحيث يبدو النزاع مقتصراً على اعلان دستوري أو على مادة هنا أو هناك من الدستور، لكن المصريين الذين يقول أحد أمثالهم الشعبية «ليست ديانة بل هي قلوب ملآنة».. يدركون ان ما وراء هذا النزاع هو أمر آخر، وقد بدأ مبكراً مع الحراك المصري، لكن حشود ميدان التحرير ورقصة الانتصار أجلته لما يقارب العامين!
ان أسوأ النتائج هو ما يترتب على قراءات عوراء وناقصة، بحيث لا نرى غير ما نريد ولا نسمع الا ما يروق لنا سماعه!
(الدستور )