jo24_banner
jo24_banner

أصبح المعلّم نزيلا

أحمد حسن الزعبي
جو 24 : ما زالت في ذاكرتي صورة ذلك المعلّم الذي يركع على رجليه ليربط حذاء طالب في الصفوف الأولى من مدرسته،كما لا أستطيع ان أنسى زميله الذي ارتدى الفوتيك ليعيد «قصارة» سور مدرسته وصفوفها تبرّعاً وحبّاً لا شيء غير ذلك..المعلّمون لهم قلوب تشبه قلوب الأنبياء مملوءة بالرحمة والأبوة والغفران...العام الماضي كنت جالساً في البيت عندما قام أحد المعلمين بتوصيل أبنائي وأبناء الحي بسيارته خوفاً عليهم من المطر والبرد..خجلت منه كثيراً، وأيقنت أنهم يخشون على أولادنا مثلنا وربما أكثر ، ويتابعون شؤونهم مثلنا وأكثر ، ويفرحون بنجاحهم مثلنا وأكثر ، فيهم نقاء الدفاتر وبياض الطبشور،قرشهم حلال وعرقهم زلال، لذا هم أرقّ من وأبسط من ان يفكروا بالأذى أو يتهاونوا في التقصير.

حادث سقوط بوابة المدرسة على ابننا الراحل فراس غرايبة في الرمثا،أوجعتنا جميعاً، وأحزنتنا جميعاً، فأصوات الأطفال الخارجين من المدرسة هي أجراس المستقبل وأمله الذي يطربنا ظهيرة كل يوم، لكن الحادث وقع ، والطفل انتقل إلى رحمته تعالى بقضاء من الله وقدره ، وربما كان أول المصدومين من الحادثة معلموه ومدير مدرسته، فهو ابنهم أيضا الذي يقضون معه سبع ساعات يومياً وهم أمام ناظرهم وعلى مقاعد صفوفهم..فالحزن توحد وتوشّح السقفين بيت اهل الفقيد ومدرسة ابن حزم التي فقدت أحد طلابها المميزين، ولا أبالغ ان قلت بأنني لا أشك واحدا بالمئة بمدير المدرسة أو أحد معلميه لو شهد سقوط البوابة تلك اللحظة لتلقّاها بجسده ليحمي طلابه..ببساطة لأن المعلم أب ، والأب يضحّي بروحه على ان يخدش أحد أبنائه..

الأخطاء الإدارية يجب أن تصحح والمقصّر يجب أن يحاسب، كي لا نعلّق الحوادث كلها على مشجب القضاء والقدر ،فيتفاقم الإهمال ،ويستشري التسيب،وتدفع الفاتورة من الأرواح ، حق التقاضي مكفول للجميع ويجب ان يكون حتى تصحح الهفوات الإدارية في أي مؤسسة كانت.. لكن في ذات الوقت لا يجوز أن يتحمّل المعلّم أوزار الروتين المؤسسي كلها، ويصبح كبش فداء الأخطاء جميعها ، فمدير مدرسة ابن حزم الأساسية ما زال موقوفاً في السجن منذ تاريخ الحادثة إلى الآن ،كمتهم رئيس في قضية وفاة المرحوم فراس، مع انه أبرز منذ اليوم الأول مطالباته المتكررة بصيانة البوابة وفق كتب رسمية صادرة..جميعنا نقف صفاً واحداً مع القانون ليخدم سمو العدالة ،لكن مع الأخذ بعين الاعتبار انه من غير المنصف إيقاف من أفنى أكثر من ثلاثين عاماً من عمره في التربية وخدمة الأهالي والطلاب كل هذه الأسابيع مع متعاطي المخدرات وهاتكي العرض وفارضي الخاوات..بعد ان كان الناطق الرسمي باسم القيم والاخلاق وحسن التربية وحب التعليم...الإيقاف من اجل التحقيق مقبول، لكن التوقيف كعقوبة قبل ان يقول القضاء كلمته «ثقيلة» بحق كل رفاق الحرف و رعاة الأبجدية..

رحم الله طالب العلم فراس وأسكنه فسيح جنّاته ..وأفرج الله عن مدير المدرسة الذي تحمّل وزره ووزر غيره..فمدرسة ابن حزم أصبحت مدرسة ابن «حزن» بامتياز..
تابعو الأردن 24 على google news