هل يوجد لدينا معارضة…؟!
باستثناء بعض الكلمات النارية التي شهدتها جلسات الثقة الحكومية في مجلس النواب اتسم الخطاب النيابي بشكل عام بالهدوء ، واكتفى معظم السادة النواب بطرح قضايا ومطالب خدماته لم تخل احيانا من اشادة بالبيان الوزاري .
حين ندقق في جلسات الثقة نكتشف ( هل نكتشف حقا ؟) ان اداء السادة النواب يعكس واقع النخب السياسية في بلدنا من جهتين : الاولى تتعلق بتعطل حركته السياسية وانسداد قنواتها , والثانية نهاية عصر المعارضة المنظمة الشرسة , وبالتالي فان استشعار الحكومة بالاسترخاء يبدو مفهوما ,كما ان توقعها بتمرير حزمة المقررات الصعبة , خاصته الاقتصادية منها , دون ان تصطدم بقوى معارضة , سواء داخل مجلس النواب او على صعيد القوى الحزبية والسياسية تبدو، محسوبة اصلا .
تراجع حضور المعارضة المنظمة , سواء اكانت محسوبة على خط اسلامي او القوى اليسارية او حتى الليبرالية , لها اسباب بالطبع منها ما هو داخلي حيث تمخض الربيع العربي عن استقالة الناس من السياسة ، وعزوفهم عن الاحزاب، وخوفهم مما يحدث حولهم من خراب ، وحيث فقدت المعارضة مصداقيتها لدى الشارع واثبتت عجزها في تقديم اي بدائل للاصلاح , وحيث تمكنت الدولة من اقناع المجتمع بان كلفة التغيير ستكون باهضة وبان الامن هو الخيار الافضل , ومنها ما يتعلق بالخارج حيث تعرضت القوى التي قادت حركة الاحتجاجات لمزيد من الحصارات والهزائم , حيث انقلبت الارادات الدولية على مطالب الشعوب وركبت موجة القوى المعاكسة لها , وحيث اصبح خطر التطرف والارهاب اولوية محلية ودولية ايضا .
يمكن لنموذج علاقة الدولة مع الاخوان ان يساعدنا في فهم حالة انحسار نفوذ المعارضة وقوتها , فقد تمكنت الدولة من " تفكيك " جماعة الاخوان واحتوائها , وبدلا من ان يكون الاخوان –كما كانوا – على امتداد السنوات الماضية " جسما واحدا " , وقاعدة صلبة قادرة على قيادة المعارضة عبر تحالفات او تفاهات مع قوى اخرى , تحولت الى ثلاثة كيانات , وتنازلت عن كثير من مطالبها بحثا عن القبول الرسمي لها , لم يقف الامر عند هذا الحد , فتيار زمزم الذي نجح في تشكيل حزب خاص به ( المؤتمر الوطني ) تحرر نهائيا من ثيمة المعارضة التقليدية , كما ان حزب الانقاذ والشراكة قيد التشكيل , لم يعد كما يبدو من ادبياته يفضل الجلوس في مقاعد المعارضة التي الفناها في ممارسات الجماعة وحتى في خطابها العام .
السؤال : هل نحن امام حالة انحسار للمعارضة او ربما اقترب انقراضها , ام ان ثمة تحولات في مفهوم هذه المعارضة وخطابها ومواقفها وفي مصادرها واتجاهاتها ايضا .
اعتقد ان الاحتمالين واردان وصحيحان , فنحن امام مرحلة ضعف تعاني منها المعارضة , ونحن ايضا امام تحولات وان كانت بطيئة في جوهر هذه المعارضة وطبيعتها وفي علاقاتها مع المجتمع والدولة , لكن السؤال المهم هنا : هل تصب التراجعات او التحولات في مصلحة الدولة , وهل تعبر عن التطلعات في المجتمع وطموحاته ومطالبة ,وتتناسب مع التغيرات التي طرأت على المنطقة من حولنا , والاهم من ذلك هل وجود المعارضة السياسية مصلحة للدولة ؟
اترك الاجابة على هذه الاسئلة لان غيري اقدر على الاجابة عليها , لكن لدي ملاحظتان اثنتان , الاولى : هي ان بلدنا اصبح بحاجة فعلا الى معارضة وطنية تحظى باعتراف الدولة وتقدير المجتمع , وهذه المعارضة المنظمة على شكل احزاب وتيارات تحتاج الى مقومات لوجودها ونجاحها , ولمناخات سياسية تمكنها من تأدية دورها , واعتقد ان مثل هذه المناخات والمقومات لم تتوفر بعد , وبالتالي فان ايجادها يحتاج الى مصارحات ومصالحات حقيقية بين الدولة والمجتمع , اما الملاحظة الثانية فان مثل هذه المعارضة الوطنية لا يمكن ان تنتزع مشروعيتها وشرعيتها الا اذا اجبنا بوضوح على سؤالين مهمين : الاول يتعلق بموضوع الهوية الاردنية ومن هو الاردني , كما يتعلق بالذاكرة الاردنية والتاريخ , اما السؤال الثاني فيتعلق بالمشروع الوطني الاردني الذي يفترض ان يحظى بتوافق النخب الاردنية من كافة الاتجاهات الفكرية والسياسية , كما يفترض ان ينطلق في لحظة تاريخية تعكس ارادة " النخبة " الاردنية على التوحد لتحقيق هدف واحد .. واحد لا اكثر .