«دلو دهان وفرشاية»..
في اليابان - على ما أعتقد وحسب ذمة الراوي- اشتكى أصحاب البقّالات والمحلات الكبرى أن بعض عبوات اللبن من مصنع محدد تصل فارغة بين بعض الطرود بشكل متكرر، فأثناء تفريغ الكراتين يكتشف أن هناك عبوة او اثنتين مغلفة ومختومة لكنها فارغة..وعلى ما يبدو انه أثناء مرور العبوات على خط الإنتاج يفرغ اللبن من الخرطوم أو ماكنة التعبئة الأمر الذي يحتاج الى ثوانٍ قليلة لتزويدها، فتمر أكثر من عبوة فارغة تجاه الختم القصديري والتغليف...المهم اجتمعت إدارة المصنع مع مهندسي الإنتاج لحل المشكلة، البعض اقترح وضع مجسّات مضيئة تبين العبوة الممتلئة من غيرها قبل التغليف لكنها بحاجة إلى إعادة برمجة الخط الإنتاجي كاملاً ويكلف عشرات الآلاف من الدولارات، مهندس آخر ، طالب بتغيير قاعدة العبوة التي تمشي على قشاط الإنتاج إذا كانت ثقيلة تذهب للختم والتغليف وإذا كانت خفيفة تطرح أرضاً اوتوماتيكاً لكنها أيضاَ بحاجة إلى موازنة كبيرة لتغيير الخط..احد العمّال الواقفين فوق رؤوس المهندسين استأذن مدير المصنع باقتراح ..فأذن له بالتحدث..قال: لدي حل سهل وبسيط ولا يكلف أكثر من 10 دولارات ، لماذا لا نضع مروحة عادية مثل تلك التي نقتنيها في البيوت ونقربها من خط الإنتاج..العبوة الممتلئة ستصمد وتذهب للتغليف والفارغة ستطير بفعل الهواء المتدفق...فوافقوا على اقتراحه بالإجماع وطنّشوا أراء المهندسين..
قبل أسبوعين كنت في دبي..واكتشفت أنهم ابتدعوا في بعض الشوارع المزدحمة، طريقة رائعة للمواصلات العامة..ولم يحفروا ولم يغيروا مسارات ولم يضيّقوا أرصفة ولم يهدموا أنفاقاً ..كل الذي كلّفهم..»علبة دهان أصفر» فقد فصلوا المسرب الأيمن عن باقي المسارب ورسموا حدوده بخطّ أصفر متصل من أول الطريق إلى آخرها وخصصوه لسيارات الأجرة وحافلات النقل العام ، تماماً نفس فكرة الباص السريع لكن بدون تكلفة، ومن يخالف من السيارات الخاصة هذا الخط ويقود سيارته في هذا المسرب المخصص يغرّم بمبلغ لا يقل عن 200درهم..كل الذي كلّفهم «دلو دهان وفرشاية»..ماذا لو استغنينا عن قصة الباص السريع كلها ورسمنا مثل هذا الخط ووضعنا لافتات تفيد انه ممنوع ارتياده الا من الباص السريع أو من سيارات الأجرة والحافلات العمومية وسيارات الإسعاف...ونضع كاميرات ثابتة لمخالفة المتجاوزين..كم سنوّفر على أنفسنا وكم سنتقدّم بإنجازنا...المسالة لا تحتاج إلى موازنات ولا مساعدات ولا قروض..تحتاج إلى حكّ الدماغ قليلاً بدلاً من تسليمه إلى بارئه «جديد لانج»!.
ahmedalzoubi@hotmail.com