ميليشيات على حدودنا..!
العمق العربي الذي كنا نتحدث عنه فيما مضى اصبح الان بالنسبة لنا مصدر تهديد، ليس فقط لان الحواضر العربية سقطت وانتهى دورها ، وانما ايضا لان الجيوش انتهت واصبحت " الميليشيات " بديلا لها .
في اهم دولتين تربطنا بهما حدود طويلة : سوريا ( 375 كم ) والعراق ( 181 كم ) ، لم يعد هنالك جيش منظم تابع للدولة ، فقد حل الامريكان بعد الاحتلال العراقي جيش العراق ، واصبحنا امام ميليشيات مذهبية وعرقية تدافع عن طوائفها ومذاهبها ، وفي الاسبوع المنصرم امر البرلمان العراقي قانونا تم بموجبه ضم الحشد الشعبي للجيش ( 110 الاف جندي ) بما يعني ان ايران التي تتولى التنظيم والتدريب لهذه " الميليشيات " اصبحت القائد الاعلى لهذا الجيش الذي يتكون من نحو 10 فصائل ، كلها تدين بالشرعية لطهران ، وكلها محسوبة على الطائفة الشيعية، وعقيدتها القتالية قائمة على اجتثاث اهل السنة .
في سوريا ايضا توزعت الميليشيات على اربعة محاور : ميليشيات تحارب مع النظام السوري منها نحو " 7 " شيعية ، واخرى تابعة للمعارضة ( اكثر من 40 ) وميليشيات تقاتل باسم الادارة الذاتية واخيرا داعش وحلفاؤها ، بما يعني اننا امام اكثر من " 100 " ميليشيا لكل منها اهدافها وعقيدتها القتالية ، وامتداداتها الجغرافية والديموغرافية ، ومصادر تمويلها الداخلية والخارجية ، اما فيما يتعلق بدرعا التي تشكل نقطة التماس الاساسية بيننا وبين سوريا ، فقد سيطر عليها مزيج من هذه الميليشيات ، واهمها جبهة النصرة وداعش وقوات النظام وحلفاؤه من حزب الله وايران ، وبالتالي فان مستقبل درعا الذي يرتبط بحسم معركة حلب ، سيضعنا امام تحدي " الميليشيات " لاسيما وان عيون الحشد الشعبي الذي توعد بخوض معركة الرقة بعد هزيمة داعش في الموصل ستنفتح مجددا على درعا ، لضمان الوجود الايراني على مقربة من الحدود السورية مع الاردن واسرائيل .
حين ندقق في عهد الميليشيات الذي اصبح يداهمنا نجد ان العمق العربي الذي كنا نطمئن اليه ، حتى في اسوا ظروف علاقاتنا مع الجوار ، تحول الى عمق ايراني لا يمكننا الاطمئنان اليه ، نجد ثانيا ان مصدر التهديد لم يعد يقتصر على داعش وانما امتد الى تنظيمات اخرى ذات اجندات طائفية ومذهبية ، نجد ثالثا ان النفوذ الايراني الذي يحلم باقامة الحكومة العالمية الاسلامية لن يقف عند السيطرة على العراق والحصول على نصيب " الاسد " في سوريا ، وانما سيمتد الى المنطقة العربية كلها ، خاصة الجزيرة العربية وبلاد الشام ، نجد رابعا ان امريكا في عهدها الترامبي الجديد التي تخلت عن حلفائها العرب لن تواجه ايران ولن تتدخل في ملف " التصفيات " داخل منطقتنا كما فعلت في العراق منذ بداية التسعينيات ، نجد خامسا ان اي تقسيم جديد للمنطقة سيكون على اساس طائفي ومذهبي ، وبالتالي فان الميليشيات ستكون الفاعل الاساسي في المشهد، كما ان البديل عن التفاهمات السياسية سيكون المزيد من الصراعات والمواجهات العسكرية .
حين ندقق في موقع بلدنا بين كل هذه المستجدات ، سنكتشف اننا لسنا بعيدين عن مرمى نيران " الميليشيات " سياسيا على الاقل ، سنكتشف ثانيا ان علاقتنا مع ايران شبه مقطوعة ، وان اي محاولات " لترطيب " العلاقة مع العراق ستمر بالضرورة بطهران ، وبالتالي فان المطلوب ايرانيا سيتجاوز قدرتنا على الدفع ، ثم سنكتشف ان علاقتنا مع واشنطن في عهد ادراتها الجديدة لا تزال غامضة وحتى لو استمر تحالفنا معها فان الرهان عليها لا يكفي وغير مضمون على المدى البعيد ، اما فيما يتعلق بعلاقاتنا مع المحيط العربي فما زالت تتأرجح بين البرودة والسخونة ، واذا اضفنا لذلك ما نعانيه على الصعيد الاقتصادي والخطر المتعلق بالارهاب ، فان خياراتنا تبدو محدودة ، ان لم تكن سيئة .
باختصار في مرحلة الميليشيات التي اصبحت تحيط بنا كالسوار ، وفي ظل انقلاب التحالفات القائمة وتنصيب ايران " شرطيا " جديدا على المنطقة ، لابد ان يبحث بلدنا عن خيارات جديدة تضمن له السير على سكة السلامة. قد تبدو هذه الخيارات مكلفة سياسيا لكنها اصبحت ضرورة .