وجهنا الحقيقي
كان يمضي إلى واجبه اليومي كالمعتاد ممتصاً: ضجيج السير، هواء تشرين الجاف، اشتباك مسارب الطرق وقت الذروة، نزق السائقين، الوقوف الطويل، تأفف المتأخرين عن دوامهم، غطرسة «الدفع الرباعي» من عدالة المرور، القهوة المثبتة في مقبض «التابلو» والكراسي المدفأة.. ليس في نيته ادعّاء البطولة، ببساطة لأن ما يقوم به، بحدّ ذاته بطولة..
قمة العطاء ان تترك واجبك كموظف، لتؤدي واجبك كإنسان..وهذا ما فعله رقيب السير الشهم محمد الهزايمة. فأثناء عمله المعتاد، شاهد شخصاً يقود سيارته ويتحدّث في الهاتف، طلب منه النزول لتحرير مخالفة بحقه، وعندما رأى الدموع في عيني السائق سأله عن السبب..فقال له: انه ابنه في حالة خطرة في مركز الحسين للسرطان ويحتاج إلى وحدات دم وكان يتكلم في الهاتف لتأمينها، تراجع الشرطي عن مخالفته..ثم طلب منه مواصلة طريقه، بعد دقائق كان رقيب السير محمد الهزايمة وعدد من زملائه يصلون المستشفى للتبرع بالدم...هذه القصة ليست مدبلجة، ولم يفتعلها أحد للشهرة أو للإعلام ، حتى محمد الهزايمة نفسه هذا الشاب الأصيل لم يكن يعرف أن مواقع التواصل ستكتب عنها، وان صورته ستملأ مواقع الأخبار وصفحات الناشطين ...كل ما فعله، كان بدافع إنساني...بدافعٍ يسمو على كل وظائف الدنيا، ومهمات الدنيا...مهمة إنقاذ الروح والتخفيف عن الشقيق...هذا هو الأردني الحقيقي، هذا هو الوجه الحقيقي للبلد، يتحرّك بأمر ضميره، لا بأمر مديره، ينسى كل الألقاب والمهام المنوطة به وساعات الوظيفة..ويتذكّر بأنه إنسان..والإنسان لا تحجبه قبعة «السير» أو «لباس الأمن» عن إنسانيته على الإطلاق..لأنها في صلب إنسانيته...
شهادة حق أقولها، إن جلّ شباب الأجهزة الأمنية في الأمن العام و الدفاع المدني والسير وغيرها من الدوائر يثبتون مرة بعد مرة، أنهم قدوة في التعامل ورمز في حب الوطن والإنسان..يثبتون لغيرهم، أن «التناسب الطردي» بين المكاسب وحب الوطن، ليس في قاموسهم كما هو في قاموس تجار الوطنيات..يثبتون مرة بعد مرة، أن الأردني عظيم بقلبه وبانتمائه... يقدّم دون ان ينتظر..ويمضي دون أن يلتفت..حسبه انه ابن»الأردن»...صدقوني إن هذا الشعب العظيم مجبول بالخير والإنسانية والايجابية... فقط احترموه وأخلصوا له ..نصف ما يخلص لوطنه!.