jo24_banner
jo24_banner

دعوة لتصحيح علاقة الخطيب بالمصلين

حسين الرواشدة
جو 24 : يتصور بعض اخواننا من خطباء المساجد ان جمهورهم من المصلين أمي بامتياز، وان وجهة نظرهم وحدها هي الصحيحة، وان الذين يستمعون اليهم - بإنصات وخشوع - مقتنعون تماماً بما يقولونه!. ولو كانت المسألة محصورة في الاجتهاد الشرعي وتوضيح احكام الدين وتبيين قيم الاسلام لغضضنا طرفنا وسلّمنا بما انتهوا اليه من اجتهادات ، لكن خطابهم من فوق المنابر يبدو سياسياً ، مما يفتح المجال امام كثير من اللغط وسوء الفهم والاستقواء على عقول الناس ، بل واختطاف وقتهم ومشاعرهم دون ان يتاح لهم الفرصة للرد او للاعتراض.. او حتى للتصحيح.

خذ مثلا ، احد الخطباء في خطبة الجمعة كان غاضباً جداً من اتباع احدى الحركات،وفي خطبة اخرى من اتباع احد المذاهب ، فلم يترك صفة سلبية الا وألصقها بهم ، ولم يتورع من تفسير آيات القرآن الكريم في اتجاه تعزيز رأيه ، وقد تصورت - وانا استمع اليه بخشوع طبعاً - ان امتنا ومجتمعاتنا لم يبق لها من الاعداء سوى اتباع الحركات و المذاهب الاخرى ، وان الخطر الوحيد الذي يهددها هو هذه التعددية التي انتهت اليها منذ قرون طويلة ، واستقرت على ضرورة احترامها مهما كان الاختلاف بين اتباعها ، لكن الخطيب - يرى غير ذلك ، ويتعمد - باصرار - اثارة مشاعر المستمعين اليه ضد اخوانهم من اتباع الاحزاب الاسلامية و المذاهب الاخرى ، ويسهب في كيل التهم اليهم ، ولا ينسى في آخر الخطبة ان يشير الى وحدة الامة ، وان يدعو على اعدائها الاخرين ، وكأن وحدة الامة تقوم بالتنابز والشتم ، او بإيغال صدور المؤمنين ضد بعضهم ، او بتحريم الاختلاف بينهم.

ثمة خطابات كثيرة يجيدها بعض الوعاظ من فوق المنابر تتعلق باستسهال التكفير ، والتحريم ، واسقاط الحدث السياسي بلباس ديني غير مقنع وغير سليم ، وثمة خطابات ارتجالية انشائية هدفها اثارة المشاعر ، ووسيلتها الوحيدة الصراخ ودب الصوت ، وثمة خطابات اخرى تغرد خارج اطار الدين ، وتستشهد بأحاديث غير صحيحة ، وروايات مجروحة ، والمشكلة في كل ذلك ان الاستماع - بخشوع كما قلنا - للخطيب فريضة لازمة لا يجوز الاخلال بها ، ولذلك يبدو كلامه مقدساً ، كما تبدو فرصته في الكلام والاسهاب والاستشهاد والدخول من الدين الى السياسة وتأنيب مستمعيه احياناً ، غير محدودة ولا مقيدة.. فهو يمارس فهمه للدين كما يراه ، ويجتهد في التحليل السياسي والاجتماعي دون علم ، ويعاقب آلاف الناس الذين جاءوا لتلبية نداء الجمعة - وبعضهم من كبار المتعلمين والمثقفين - بحجة انه يفهم في الدين اكثر منهم ، او انه مؤهل لتوعيتهم وانقاذهم من سوء فهمهم بمجرد ان يعتلي ظهر المنبر.

لا أريد - بالطبع - ان أعمم ، فثمة خطباء آخرون يتقنون مهمتهم ، ويعرفون كيف يخاطبون جمهورهم بتواضع وعلم وفهم سليم للدين ولمن يجلس امامهم ايضاً ، لكن المشكلة ان هؤلاء استثناء لا قاعدة ، وان ما يتركه خطيب واحد غير مؤهل من آثار على حالة التدين لدى الشباب ، وهي سلبية للاسف - يتجاوز جهود عشرات المصلحين والخطباء الجيدين.. وربما الآباء والتربويين ايضاً.

ادعو - بصراحة - الى تحرير خطاب المنابر من السياسة ، لا لانني اعتقد بان الدين لا سياسة فيه ، ولا لانني ضد ما يسمى” الاسلام السياسي” ولكن لانني على يقين بان مهمة منابر الخطابة اساساً هي اشاعة التدين الصحيح بين الناس ، ومعالجة الانحرافات الدينية ، ومناقشة القضايا العامة انطلاقاً من روح الفهم الصحيح للاسلام.. اما مجالات ومصادر التحليل السياسي ، والاختلاف بين الفرق والحركات والاحزاب والمذاهب الاسلامية ، واشهار البيانات السياسية وغيرها ، فهي كثيرة ومتعددة.. لكن المنابر ليست المكان المناسب لذلك.. والله اعلم!
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير