jo24_banner
jo24_banner

هل كان الملك على علم؟

د. حسن البراري
جو 24 :

 

طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من رجالاته التحضير لاجراء مفاوضات الكونفدرالية مع الاردن، وجاء الطلب بعد أقل من اسبوع على زيارة الملك عبدالله الثاني لمدنية رام الله، ما يشي بأن الطلب الفلسطيني ربما جاء بعد نقاش مع الملك ، فالاردن الرسمي لم يقل بعد رأيه الحاسم تجاه هذه المسألة.


قبل سنوات اقترح رئيس الوزراء الاردني الاسبق الدكتور عبدالسلام المجالي فكرة اقامة اتحاد كونفدرالي بين الاردن والضفة الغربية، وكانت حجة المجالي آنذاك هو أن دخول الأردن على الخط يبعث برسالة اطمئنان للإسرائيليين ويسهل في اقناعهم بتقديم تنازلات للجانب الفلسطيني. وما من شك ان قراءة المجالي لم تستند على فهم التغيرات الكبيرة التي عصفت بالمجتمع الاسرائيلي والتعبيرات السياسية المرافقة لهذه التغيرات المجتمعية، لذلك بقيت دعوته مجرد تمرين اكاديمي لم تأخذه الاطراف المعنية محمل الجد.


ويحتارالمتابع بتفسير التوجه الفلسطيني (إن صحت التسريبات عن توجهات جديدة لدى ابي مازن) خاصة وان منظمة التحرير خاضت معركة شرسة مع النظام الاردني حول من يمثل الفلسطينيين، وبالتالي وبعد أن ربج الفلسطينيون معركة التمثيل ما الذي يدفعهم لدخول عش الدبابير مرة ثانية ويتحدون مع نظام لم يثقوا به في يوم من الايام؟! وهل يسمح الانقسام الفلسطيني الكبير بأخذ ما يصدر عن أبي مازن محمل الجد؟!


وكان للاردن حتى نهاية ثمانينيات القرن المنصرم هدفان في السياسة الخارجية: منع اقامة دولة فلسطينية ومنع الليكود من ضم الضفة الغربية، غير أن الاردن الرسمي توصل الى نتيجة استحالة التوفيق بين الهدفين لذلك فك الارتباط. فعدم ضم الضفة الغربية لم يكن ليفضي إلى عودة الضفة والقدس الشرقية للسيادة الاردنية، وكذلك منع اقامة دولة فلسطينية ما كان سيفضي إلى منع ضم الليكود لها.

الموقف الاسرائيلي والأردن


قبل أكثر من ثلاث سنوات، طرح بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين المرتبطينربدوائر صنع القرار في تل ابيب فكرة أن سيناريو اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا لم يعد ممكنا في ضوء التطورات على ارض الواقع، وبالتالي فإن حل الدولتين هو طرح غير واقعي حسب وجهة نظرهم. وبالفعل كتب غيورا ايلاند- رئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي الاسبق- دراسة نشرها مركز بيغن سادات بجامعة بار ايلان ودراسة اخرى نشرت على موقع معهد واشنطن تفيد بأن الحل في هذه الحالة هو باعادة الحياة لمفهوم الخيار الاردني- اي عودة ما تبقى من اشلاء الضفة الغربية وسكانها للسيادة الاردنية حتى لو كان المدخل لذلك هو اقامة دولة فلسطينية ليوم واحد، بمعنى أن الاعلان عن الدولة لانهائها على طريقة ذكر خلية النحل الذي يموت حالما يلقح الملكة.


كاتب هذه السطور تنبه لديناميكية الطرح الاسرائيلي في مقال نشر في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ ٢١ اذار ٢٠٠٩ اعيد منه الاجزاء الرئيسية التالية: “أي قراءة متأنية وجادة لديناميكية المثلث الأردني- الفلسطيني- الإسرائيلي ستكشف عن حجم التحديات بل التهديدات الإستراتيجية الناتجة عن حراك هذا المثلث والتي ستواجه الأردن على المدى المتوسط. ولا مناص هنا من إبداء عدة ملاحظات أساسية تتعلق بحجم التحدي. فأولا، المعادلــة الوحيدة الناجزة في العلاقة مع إسرائيل هي أن الوقت يمر والأرض تضيع وفرص تحقيق حل الدولتين في تراجع مستمر. للأسف لم يستبطن العرب حقيقة أن الوقت لم يعد عاملا بل أصبح فاعلا لأن مرور الوقت دون حل يعني منح إسرائيل المزيد من الفرص لاستكمال بناء المشروع الصهيوني التوسعي والقائم على تكتيك صهيوني كلاسيكي يسعى لخلق حقائق على الأرض (fait accompli)، وهو أمر يتفهمه العقل الغربي الذي لم ينفك عن مطالبة العرب بأخذ الواقع في الحسبان وربما علينا أخذ العبرة من رسالة الضمانات الشهيرة التي بعث بها بوش إلى شارون.


ثانيا، المراهنة على التغيير في إسرائيل لإنتاج تحالف سلام لم تعد مجدية كما ظهر في الانتخابات الأخيرة. فديناميكية القوة السياسية والمجتمعية في إسرائيل والمتمثلة بالتركيبة البنيوية للنظام السياسي ونظام الانتخابات النسبي لا تعمل على دفع إسرائيل باتجاه حل الدولتين بالشكل الذي يستجيب حتى لمتطلبات الحد الأدنى للفلسطينيين. فقضية التنازل عن أرض للفلسطينيين هي قضية تمس جوهر السياسة الداخلية ولا يمكن في ظل النظام القائم لأي رئيس حكومة أن يقوم بذلك دون أن يدفع ثمنا سياسيا باهظا أو ربما يدفع حياته ثمنا كما حصل مع رابين.


ثالثا، ثمة رومانسية مبالغ فيها لدى بعض المثقفين العرب عندما يتحدثون بشكل ساذج عن حل الدولة الواحدة. ففي مثل هذه الدولة الثنائية القومية ستقوم الديموقراطية بما لم تقم به الجيوش العربية أو المقاومة الفلسطينية وهو السيطرة على الدولة. وفرصة تحقيق مثل هذا الحل السلمي متدنية جدا لأن مبرر وجود الحركة الصهيوينة هو يهودية الدولة وليس ديموقراطيتها. وهنا دعوة لقراءة الفكر الصهيوني وممارساته جيدا بدلا من الاختباء خلف التفكير والتحليل الرغائبي. فديناميكية المعضلة الديموغرافية وعدم إمكانية تحقيق حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين وعدم قبول إسرائيل لمبدأ نظام الابرتهايد يضعنا أمام خيار واحد فقط وهو الترانسفير. فقد يأخذ شكلا غير تقليدي لكنه إن كان هو المخرج التاريخي للأزمة الصهيونية فما الذي سيمنع من تحقيقه؟!


رابعا، المراهنون على صمود الشعب الفلسطيني المشرذم ساسيا وغير المدعوم عربيا لا يقرأون التاريخ جيدا. ففي حرب 1948 خرج اللاجئون كما خرج نازحون في 1967. وهذا يعني أن للصمود الفلسطيني حدودا وأن أي مواجهة شاملة سينتج عنها لاجئون جدد وربما ستزود إسرائيل بفرصة أخرى لإتمام مهمة حرب عام 1948، وربما هنا علينا قراءة ما يكتبه بني موريس في الأربع سنوات الأخيرة على الأقل.


خامسا، بالنتيجة فإن المتضرر الأول من عدم قيام دولة فلسطينية هو الأردن وليس غيره. وبالفعل بدأ البعض بالتفكير في خيارات كونفيدرالية لن يستفيد منها الأردنيون سوى مزيد من التهميش. فالكونفيدرالية ما هي إلا تعبير مخفف عن الوطن البديل ولكن بمساحات مختلفة. وبهذا الصدد علينا أن نشير إلى أن العمل مع الفلسطينيين أيضا محبط: فلا السلطة الفلسطينية قادرة بينما هي متهمة من قبل الكثيرين بأنها ستفرط بالحقوق ولو كان ذلك على حساب الأردن، في حين ان حماس تسعى لتدمير حل الدولتين لأنها لا تريد إلا الأرض كلها وهذا يؤدي إلى فشل خيار الدولتين.


أمام هذا التشخيص، فإن السيناريو الأقرب هو أن تستمر إسرائيل في التوسع وعندما تحصل على الأرض التي تريد ستعيّن حدودها من جانب واحد وتقول للبقية هذه دولة فلسطين التي عندها لن تكون قابلة للحياة وسيعترض عليها الفلسطينون وسيقوم الجيش الإسرائيلي برفع كلفة المقاومة إن حصلت، وسيكون هناك ضغط عربي ودولي على الأردن للتدخل لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، عندها تتحول القضية برمتها إلى حالة إنسانية !


الأردن الرسمي وعلى لسان الملك عبد الله ومنذ عام 2006 يقول إن حل الدولتين هو مصلحة الأردن العليا وأن الفشل في الحل سيعرض الأمن الوطني الأردني لضربة كبيرة. لغاية الآن لم تفلح الدولة الأردنية في تبني خطة بديلة (Plan B) في حال فشل عملية السلام. وقد سألت مرة رئيس الديوان الملكي آنذاك باسم عوض الله في جلسة عن خطط الأردن في حال فشل حل الدولتين، فلم يجب بل تهرب من السؤال، ما يوحي أنه ليس لدى المطبخ الأردني أي تصور استراتيجي أكثر من توصيف وتشخيص المشكلة.”


ما الذي يجري الان وما هو الرد الاردني؟


ما من شك أن عجز القيادة الفلسطينية الواضح في انتزاع أي تنازل من الجانب الاسرائيلي يمكنه من التنافس مع حماس يدفعه للبحث عن أهداف أخرى يبدو أن الأردن هو محورها، فالانكشاف الاستراتيجي لنخب أوسلو وتراجع مكانتهم في الشأنين المحلي والاقليمي والنظر اليهم إسرائيليا على اعتبار انهم غير مؤثرين لما يتلائم مع النظرة الإسرائيلية لمخرجات الحل تدفعهم للبحث عن دور جديد يضمن لهم البقاء في الاضواء وبخاصة بعد أن تبين أن حماس ربما تكون هي المستقبل للفلسطينيين وليس فتح ونخبها.


قام كاتب هذه السطور بكتابة مقال قبل اشهر بعنون "المؤامرة الكبرى" وفيها ينقل عن رأي أحد المسؤولين الهامين ما يفيد ان "النخبة الحاكمة بالاردن تبنت سياسات ساهمت في هدم بنى وهياكل الدولة وضرب مقوماتها وعوامل قوتها لغايات اعادة بنائها او تركيبها لانتاج مخرج جديد، دولة بحدود وهوية وبنية اقتصادية وادارية مختلفة تماما، تستوعب الفلسطينين على ضفتي النهر وتمكينهم سياسيا وقد افضت هذه السياسات الى ما يلي:

أولا، الثقة بين الدولة والمجتمع او للدقة بين الحاكم والمحكوم وصلت إلى ادنى مستوى لها في تاريخ الدولة الاردنية، وبشكل عام لا يثق الأردنيون بمؤسساتهم ولا بالنهج السياسي والاقتصادي الذي حكم منطق الدولة في العشرية الأخيرة. وقد مارست النخب الحاكمة سياسة اقتصادية افقرت البلاد والعباد وهي سياسة استلزمت التحايل على الاصلاح بل وتغيبه .

ثانيا، جرت محاولات ممنهجة لتدمير البيروقراطية الاردنية، فلم تعد المؤسسات البيروقراطية محط احترام للشعب وقلت قيمة المنصب العام وتراجعت المكانة الرفيعة التي كانت تتمتع بها جميع مؤسسات الادارة العامة بالدولة الاردنية.

ثالثا، يصر هذا المسؤول على أن النخب التي وصلت للحكم في هذه العشرية قامت بزرع بذور الشقاق والانقسامات على اسس اقليمية بدأت تعصف بالنسيج الاجتماعي وبالوحدة الوطنية.

رابعا، أوغل الليبراليون الجدد في تثخين جراح الاقتصاد الاردني من خلال ثنائية الخصخصة وتغييب الاصلاح حتى سيطر الفساد، فبيعت المؤسسات الناجحة وفككت أخرى وأنشئت المؤسسات المستقلة التي اثقلت كاهل الموازنة واوصلت العجز إلى ارقام فلكية لا يمكن تأمينها للخزينة ذاتيا مهما بذلنا من جهد او بعنا من مؤسسات وفرطنا بثروات فلقد كبر الفتق على الراتق."


التيار الذي يريد اجبار الاردنيين على قبول خيار الكونفدرالية يرى بأن الشعب الاردني الذي يعاني من أزمة اقتصادية قاتلة سيوافق على اي خيار في العلاقة مع الفلسطينيين في سياق تحسين ظروفهم المعيشية وبخاصة في حال شطب المديونية وتدفق الاستثمارات التي ستخلق فرص عمل للأردنيين، فالاردنيون- حسب هذا التيار- هم "مجتمع موظفين" لا يمكن أن يقولوا لا لاطار علاقة كونفدرالية أن قدم في سياق مساعدات واستثمارات كبيرة تحل مشكلة الاردنيين الاقتصادية لبضعة سنين قادمة.


ونعود للسؤال الرئيسي وهو هل كان الملك عبدالله الثاني على علم بالطروحات الفلسطينية اثناء زياراته الاخيرة، واذا لم يكن يعلم فما هو رده على زيارة تأييد قام بها للفلسطينيين (بعد أن حازوا على اعتراف اممي بدولة غير عضو في الامم المتحدة) ليحصل على هذا النوع من الخداع السياسي؟

نذكر أن الجانب الاسرائيل مارس نفس النوع من الخداع السياسي عندما زار دوري جولد الملك قبل فتح النفق في ايلول عام ١٩٩٦ بثلاثة ايام لتثور بعدها ثائرة الراحل الحسين الذي احس بالحرج الشديد وكأن هناك ترتيب مع الاردن، بعدها بعث الاردن برسالة التوبيخ الشهيرة لنتنياهو، فلماذا لا يبعث الاردن برسالة توبيخ لأبي مازن الذي يمارس خداعا استراتيجيا وسياسيا للاردن؟!


لكن يسجل للرئيس محمود عباس بأنه يحضر شعبة لعلاقة كونفدرالية في حين ان الرسميين الأردنيين عادة ما يفاجأون الاردنيين في مواقف والشعب غير مستعد! فهو يطرح القضية على مستشاريه بعد أن وصل الى نتيجه مفادها ان فرص الحل تتراجع. من غير الواضح ان كان هذا الطرح سينعش المفاوضات من جديد على اعتبار أن الاردن شريك في العملية ما يطمئن الجانب الاسرائيلي حسب نظرية عبدالسلام المجالي.


في الأردن القضية حساسة لأنها تعني شيئا مختلفا لللاعبين المختلفين، ولا توافق وطني على القضية ولا يمكن للرسميين الاردنيين ان يهرولوا باتجاه هكذا خيار إن لم تتحقق الشروط الموضوعية التي تحقق المكاسب للجانبين الاردني والفلسطيني، فالعلاقة الكونفدرالية يجب أن لا تكون مخرجا لحل ازمة اسرائيل الديمغرافية على حساب الاردنيين أولا ثم الفلسطينيين ثانيا.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير