من أنتم؟
حسين الرواشدة
جو 24 : في ساحة المدرسة يتشاجر طفلان لم يتجاوزا العاشرة من العمر، احدهما يوبخ الآخر بكلمات قاسية ويصرخ في وجهه قائلا: «مين انت؟» في الشارع – ايضا- يحتدم النقاش بين رجلين يركبان سيارتيهما، ويهمّ احدهما بالنزول لضرب الآخر فيبادره الاخير على الفور قائلا: «مين انت؟».
في اماكن كثيرة وفي مناسبات عديدة تتكرر مثل هذه «العبارة» لدرجة انها اصبحت جزءا من «ثقافتنا» العامة، وهي لا تنطوي على مجرد تساؤل بريء يهدف الى معرفة الآخر، واكتشاف هويته، وانما تحمل نزعة مثقلة بالاستعلاء والتخويف واقصاء الاخر، وتشي بشعور «الذات» المريضة بحالة من «الرفض» والاستحواذ والهيمنة على «الكل» بحجة امتلاك القوة او النفوذ او النسب او المعرفة.
يمكن اسقاط الفكرة على واقعنا الاجتماعي لنكتشف بان ثمة نوعا من العنصرية تدفع البعض الى الاحساس «بتورم» الذات، والمبالغة بالاعتزاز في النفس، واعتماد منطق افحام الخصم بصدمة عدم قبوله كطرف للحوار او التفاهم، وهي –بالمناسبة- ليست فكرة طارئة على واقعنا الاجتماعي، وانما لها جذور في موروثنا الثقافي كما عبرت عنه ادبيات وفنون «النقائض» وكما سوّقته حروب ووقائع طويلة قامت لتجيب عن سؤال واحد فقط وهو: من انتم؟ وانتهت الى كوارث ما زالت تداعياتها حاضرة حتى الآن.
يمكن –ايضا- اسقاط الفكرة على واقعنا السياسي، لنكتشف بأن مقولة القذافي التي عبّر فيها عن صدمته وانكاره لمجرة رؤية «شعب» يطالبه بالرحيل لم تكن مقطوعة عن سياقات سياسية افرزت انظمة لا تعترف –اصلا- بالناس والمجتمعات، ولا ترى فيهم الا «صورتها»، ولا تريد ان تسمع منهم سوى صدى «خطاباتها»، وبالتالي فان سؤال: من انتم؟ يعبر عن واقع طبيعي وعياني ومفهوم ايضا، وهو لا يقتصر على من يتربع على مواقع السلطة «اية سلطة» وانما يمتد الى المهاد الاجتماعي والثقافي وكـأنه «عدوى»تنتقل من اليمين الى اليسار او العكس، ومن السياسة الى الثقافة او العكس ايضا.
اسوأ ما يمكن ان يصيب المجتمعات هو ان تتغلغل داخلها صرخة «من انتم؟» ليس لانها تضمر قسوة في التصنيف واستهانة بالآخر واستعلاء في التعامل معه، وتختزل نزعة «تمجيدية» لا ترى من خلالها الذات الا نفسها، وانما –ايضا- لانها افضل وصفة لاغراق المجتمع في «الفردانية» والانتهازية، ودفعه الى الانقسام والصدام، وشحنه «بالثنائيات» القاتلة، وتجريده من قيم التكافل والتضامن والاخوة والعدالة.
ما اروع الخطاب القرآني الذي اختصر الاجابة عن هذا السؤال بقوله: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم»، وما اعظم الرسول صلى الله عليه وسلم حين نهض واقفا لجنازة مرّت امامه، وحين اخبره احدهم بأنها «ليهودي» ردّ عليه: «أليست نفسا».
(الدستور)
في اماكن كثيرة وفي مناسبات عديدة تتكرر مثل هذه «العبارة» لدرجة انها اصبحت جزءا من «ثقافتنا» العامة، وهي لا تنطوي على مجرد تساؤل بريء يهدف الى معرفة الآخر، واكتشاف هويته، وانما تحمل نزعة مثقلة بالاستعلاء والتخويف واقصاء الاخر، وتشي بشعور «الذات» المريضة بحالة من «الرفض» والاستحواذ والهيمنة على «الكل» بحجة امتلاك القوة او النفوذ او النسب او المعرفة.
يمكن اسقاط الفكرة على واقعنا الاجتماعي لنكتشف بان ثمة نوعا من العنصرية تدفع البعض الى الاحساس «بتورم» الذات، والمبالغة بالاعتزاز في النفس، واعتماد منطق افحام الخصم بصدمة عدم قبوله كطرف للحوار او التفاهم، وهي –بالمناسبة- ليست فكرة طارئة على واقعنا الاجتماعي، وانما لها جذور في موروثنا الثقافي كما عبرت عنه ادبيات وفنون «النقائض» وكما سوّقته حروب ووقائع طويلة قامت لتجيب عن سؤال واحد فقط وهو: من انتم؟ وانتهت الى كوارث ما زالت تداعياتها حاضرة حتى الآن.
يمكن –ايضا- اسقاط الفكرة على واقعنا السياسي، لنكتشف بأن مقولة القذافي التي عبّر فيها عن صدمته وانكاره لمجرة رؤية «شعب» يطالبه بالرحيل لم تكن مقطوعة عن سياقات سياسية افرزت انظمة لا تعترف –اصلا- بالناس والمجتمعات، ولا ترى فيهم الا «صورتها»، ولا تريد ان تسمع منهم سوى صدى «خطاباتها»، وبالتالي فان سؤال: من انتم؟ يعبر عن واقع طبيعي وعياني ومفهوم ايضا، وهو لا يقتصر على من يتربع على مواقع السلطة «اية سلطة» وانما يمتد الى المهاد الاجتماعي والثقافي وكـأنه «عدوى»تنتقل من اليمين الى اليسار او العكس، ومن السياسة الى الثقافة او العكس ايضا.
اسوأ ما يمكن ان يصيب المجتمعات هو ان تتغلغل داخلها صرخة «من انتم؟» ليس لانها تضمر قسوة في التصنيف واستهانة بالآخر واستعلاء في التعامل معه، وتختزل نزعة «تمجيدية» لا ترى من خلالها الذات الا نفسها، وانما –ايضا- لانها افضل وصفة لاغراق المجتمع في «الفردانية» والانتهازية، ودفعه الى الانقسام والصدام، وشحنه «بالثنائيات» القاتلة، وتجريده من قيم التكافل والتضامن والاخوة والعدالة.
ما اروع الخطاب القرآني الذي اختصر الاجابة عن هذا السؤال بقوله: «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم»، وما اعظم الرسول صلى الله عليه وسلم حين نهض واقفا لجنازة مرّت امامه، وحين اخبره احدهم بأنها «ليهودي» ردّ عليه: «أليست نفسا».
(الدستور)