jo24_banner
jo24_banner

الشاعر العناني .. سؤال الحيرة رهن الإجابة

الشاعر العناني .. سؤال الحيرة رهن الإجابة
جو 24 : «أُمي دوخها السُّكَّرُ
بتروا قدميها
أُمي
أُمي
أُمي
ماذا عني؟
كيفَ سأبحثُ عن جنةِ ما قالوا
تحتَ الأقدامْ؟».
هل كان الشاعر زياد العناني بأبياته الشعرية تلك من ديوانه «خزانة الأسف»، يطل على الآتي من شرفة الاستشراف؟ هل كان يعلم أن بتر الأقدام بسبب السكّري سيصبح قدر العائلة ولون الألم على امتداد الأيام والقصائد؟
فما حدث لوالدة الشاعر الراقد منذ أشهر طويلة في المنطقة الضبابية بين اليقظة وبين الغياب بعد إصابته في 28 آب من العام الماضي 2011، بجلطة دماغية، حدث له قبل أيام وبُتِرَتْ في المدينة الطبية ساقه، ما يطرح سؤالاً أولياً: ما الذي يمكن أن نقدمه إلى زياد العناني؟ وبالتالي كيف يمكن تأسيس آليات تعفي المبدع والمثقف من سؤال الحيرة وإرباكات لحظة الحاجة عند قيامها واستحقاقها؟
في سياق الإجابة عن السؤالين يطفح كأس القاصة بسمة النسور بالغضب الذي يأخذها إلى أقاصي الاحتجاج رائية أن كل مبدع مرشح لأن تقطع ساقه أو يقطع رزقه، طالما يتفنن المعنيون بالشأن الثقافي، كما تقول «بتكسيرنا»، مستعرضة في هذا السياق ما يجري من توقيف مجلات، والاعتذار عن عدم إقامة فعاليات. إلا إذا أصبح المبدع، بحسبها، «بوقاً»، وبخلاف ذلك يجري تهميشه، قائلة «زياد مثله مثايل فقط مرضه هو الذي نبهنا للوضع المؤسف القائم»، لتختم بالقول «الكرامة أولاً».
من جهته اقترح الكاتب سامر خير المدير التنفيذي للدائرة الثقافية في أمانة عمان أن يكون المثقفون قادرين على تقوية أوضاع المؤسسات التي تمثلهم، وهو هنا يتحدث عن قدرة تشمل مختلف المناحي بما في ذلك التأمين الصحي والاجتماعي والتعليمي اللائق لأبنائهم، وبما يحفظ، كما يقول، مكانتهم ويقدّر دورهم، وبحيث لا يبقى الموضوع في الإطار الشخصي، داعياً إلى تحوّل كل ذلك إلى «حق وليس منّة أو إحساناً».
الشاعر يوسف عبد العزيز يقول إن ما جرى للشاعر زياد العناني أمر «أزعجنا كثيراً خصوصاً إذا ما علمنا أنه قضى جلّ وقته في البيت بعد إصابته الأولى في الدماغ، ولم نجد من عناية حقيقية تقدمها الجهات الثقافية، سواء الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة، أو الشعبية ممثلة برابطة الكتّاب الأردنيين». ليخلص عبد العزيز إلى أن العناني تعرض إلى إهمال من قبل هذه المؤسسات، وهي مسألة تدعو، برأيه، إلى «الألم والحزن الكبيرين». يقول عبد العزيز في السياق نفسه: «ثمة تداول لفظي و(جعجعة) نسمعها من كل هذه المؤسسات تحت شعار خدمة المثقفين والدفاع عن قضاياهم، ولكننا على أرض الواقع لا نرى شيئاً من هذا يحدث». وهو يطالب هنا تلك الجهات أن تقدم بياناً حول أعمالها وما تقوم به إزاء المبدعين والمثقفين، وما قامت به بالتفصيل «لتلافي الكارثة التي حلّت بزياد». وبنبرة أسى يواصل عبد العزيز كلامه قائلاً «يا إلهي ما الذي يحدث في البلد؟»، ذاهباً إلى أن «المثقفين في الأردن والثقافة العربية موضوعان على الرف ولا أحد يهتم بهما». عبد العزيز يختم كلامه بالقول «لقد طالبنا مرات كثيرة كمثقفين وكتّاب أن نحصل على تأمين طبي مناسب، ولكن للأسف فقد تم إغفال هذه القضية ولم يتم الاستجابة لها من أيٍّ من المسؤولين».
الناشر وائل عبد ربه صاحب دار يافا العلمية للنشر والتوزيع يرى أن المسألة ليست شخصية، وبالتالي فإن الذي يمكن أن نقدمه إلى زياد العناني هو ما ينبغي أن نقدمه لأي مبدع ينتمي إلى مؤسسة ثقافية أهلية أو رسمية. عبد ربه دعا في هذا السياق إلى تضافر جهود مختلف الجهات المعنية لإنشاء منظومة صحية طبية دائمة محمية بقوانين وتشريعات واضحة، وبما يعبّر عن تقدير لائق يناله المبدع والكاتب والمثقف، ويشمل عائلته، وهو ما ينبغي، برأي عبد ربه، أن لا يقتصر على الطبابة فقط بل يمتد ليشمل التعليم ومختلف وجوه الرعاية الاجتماعية الممكنة.
الناقدة والأديبة د. سناء الشعلان مدرّسة اللغة العربية في مركز لغات الجامعة الأردنيّة، تقول في سياق الإجابة عن السؤالين: «من يعرف الشّاعر والإعلامي زياد العناني وتعامل معه من قرب، وجاور تجربته الإبداعيّة والإعلاميّة بشكل أو بآخر يستطيع أن يعرف كم هو إنسان معطاء ومتواصل ومحبّ، ولاشك أنّه يستحق منا ومن المجتمع ومن كلّ من يقدّر إبداعه ومسيرته أكثر ممّا حصل عليه من تضامن وتقدير في أزمته. ومن يعاين أزمته المرضيّة الأخيرة يستطيع أن يدرك كم هو المبدع في بلادنا مهضوم الحق غائب الحضور إن خذله القدر، وأسلمه للمرض أو لأيّ أزمة عارضة أو مقيمة. والحالة الخاصة التي تلمّ بصديقنا المبدع زياد العناني تقودنا إلى أسئلة ملحة بما يخصّ المنظومة الدّفاعيّة الموفّرة للمبدع في بلادنا».
الشعلان لا تتكّلم هنا، كما توضح، عن «زيارة عارضة له أو سطور مديح تكتب في حق المبدع مقرونة بمقدمة طللية مجيدة! بل أعني أنّ المبدع يحتاج في وطننا إلى منظومة ثقافية مؤسساتيّة اجتماعيّة تحميه بحق وجدّية والتزام من كلّ أشكال الاضطهاد والظلم والضّعف، وتقدّم له المعونة النفسيّة والمالية والاجتماعيّة والقانونيّة الكاملة بعيداً عن أجندات التّعاطف، وملفات الدّعم الفردي والمبادرات الشّخصية أو الأسريّة إن وجدت!». الشعلان تختم مداخلتها بأسئلة من قبيل: «فأين هي هذه المنظومة؟ ومتى ستكون هناك وقفة حكوميّة وثقافيّة لتكوين مؤسسة عندها هذا النّوع من الالتزام الاستراتيجي الذي يجعل المبدع كريماً حتى آخر لحظة من حياته؟!».
رئيس رابطة الكتاب الأردنيين د. موفق محادين قال»أولاً زياد ليس غائباً حتى نتذكره بين الحين والآخر، وليس حاضراً تماماً حتى ننسى واجبنا اتجاهه، إضافة لأبسط الحقوق العادية التي يتوجب علينا الالتزام بها إزاء زياد وكل مبدع وصديق وإنسان، سواء كنا في رابطة الكتاب التي بالتأكيد تتحمل جزءاً من هذا التقصير، أو في وزارة الثقافة، أو في الصحافة التي عمل زياد معها». محادين يرى أن لا أقل من حضوره بيننا كما كان دائماً، حضوره العادي فيما يكتب ومعه أصدقاؤه يتفقون ويختلفون، فزياد، كما يرى محادين، «تشكّل كمبدع وكتب ما كتب وسط هذا العالم الصغير من أصدقائه وزملائه، ببساطة ما يحتاجه زياد منا هو بالضبط ما نحتاجه منه، فعليه أولاً أن يسمع صوتنا ويعود إلينا فالحياة إرادة، وعلينا بالمقابل أن لا نتخلى عنه في محنته سواء من الزاوية المعنوية والأخلاقية، أو من زاوية حقوقه الأولية البسيطة، كلنا مقصرون مع زياد وغيره من الكتّاب والمبدعين وعلينا أن نبادر للتأسيس لحالة دائمة تحترم المبدع وتحافظ على كرامته وتؤمّن له أبسط احتياجاته وبدون أن ينتظر منا ذلك».
(الراي )
تابعو الأردن 24 على google news