برنامج تصحيح متجدد
في نهاية 1988 وبداية 1989 بلغت الأزمة المالية في الأردن أوجها، فنضبت العملة الأجنبية من البنك المركزي ، وعجزت الحكومة عن خدمة ديونها ، وأخذت السلع المستوردة بما فيها الأدوية تختفي من الأسواق لعدم وجود عملة أجنبية تسمح بفتح اعتمادات الاستيراد.
كان يمكن أن تتطور الأزمة إلى درجة سحق الطبقة الوسطى والدنيا لولا أن الحكومة لجأت إلى صندوق النقد الدولي للإنقاذ ، فقام الصندوق بتأمين الفجوة المالية وإقناع الدائنين بالتساهل في مجالات إعادة الجدولة وتخفيض الفائدة وتقديم تسهيلات إضافية لإعطاء الأردن مهلة كافية للإصلاح بأقل قدر من المعاناة.
لكن الإنقاذ له ثمن ثقيل وشروط قاسية لم يكن أمام الحكومة خيار سوى القبول بها ، فأصدرت كتب النوايا واحدأً بعد الآخر ، بمعدل كتاب كل ستة أشهر. وكان الصندوق يراقب التطبيق ، ويتأكد من الالتزام بالشروط ، ويصدر شهادات حسن السلوك اللازمة لاستمرار تعاون الدائنين.
حتى في ظل مساعدة ودعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، احتاج الأردن خمسة عشر عامأً من الإصلاح والتقشف وتحرير الأسواق ومعالجة الاختلالات وتقليل العجز في مختلف الموازين المالية والاقتصادية. ومع نهاية عام 2004 اكتملت العملية ، وأصبح الاقتصاد الأردني على الطريق الصحيح.
لم يعد سلوك الحكومات الأردنية خاضعاً للمراقبة ، فعادت حليمة لعادتها القديمة ، وأخذت الحكومات المتعاقبة تخرج عن جادة الصواب وتشتري الوقت وترحل المشاكل وتؤجل الحلول. وخلال ثمانية أعوام عاد الأردن إلى الأزمة ، وتجددت الحاجة لبرنامج تصحيح يدعمه الصندوق مالياً وفنياً.
الأردن الآن إزاء برنامج تصحيح جديد جرى الاتفاق عليه مع الصندوق واعتبر برنامجأً وطنياً ، ووضع الصندوق مليارين من الدولارات تحت تصرف الاردن ، تدفع على أقساط تسير يدأً بيد مع تنفيذ البرنامج وفق الجدول الزمني المتفق عليه.
هذا البرنامج ليس شمة هوا ، فالقرارات المطلوبة صعبة وليسـت شعبية ، ولكن البديل أسوأ بكثير. وبما أن المفروض أن الحكومة الأردنية أحرص من الصندوق على مصلحة الأردن وسرعة إخراجه من عنق الزجاجة ، فإن عليها أن تسبق البرنامج إن أمكن ، لا أن تماطل في التنفيذ ، وعليها أن تكون بمنتهى الشفافية وتواجه الناس بالحقائق والمخاطر. والمأمول أن يسهم قادة الرأي في إنجاح العملية بدلاً من دس العصي في الدواليب ، والصيد في الماء العكر ، سعياً وراء الشعبية.
(الراي )