الكبش
تقول الحكاية أن «أبا اسعد» كان قصّاصا بارعاً للأثر..فقد حباه الله ذكاءً خارقاً، ودقة ملاحظة شديدة، وسرعة بديهة عجيبة، وقدرة هائلة على ربط الأشياء ببعضها البعض، وبالتالي الوصول الى الحق والى الفاعل دون استخدام أجهزة أو معدّات سوى بصيرته وحواسه المستيقظة..
ذات يوم لجأ إليه أحد سكّان القرية «فارعاً دارعاً» وشكا له أن «كبشه الأملح» - أبو عيون زرق وأسنان فُرق» - قد سُرق من الحظيرة ليلة أمس وقد أضناه البحث والسؤال والرجاء والمناشدة طيلة النهار دون فائدة ..فرجا الرجل «محمد الأسعد» ان يساعده في معرفة مصير كبشه المفقود..لبس أبو أسعد عباءته وتناول عصاه..ثم رافق الرجل الى الحظيرة ليرى خيط الجريمة من بدايته.هناك وقف،التفت شرقاً وغرباً، درس الطرق المؤدية الى الحظيرة، «قرمز» أمام الباب المفتوح، شاهد بعر «الكبش»، تقدم قليلاً، لمح آثار قدم، بعدها بأمتار رأى مزعة صوف عالقة بالشيك القريب..طلب من صاحب «الكبش» ان يقف في مكانه وهو سيتابع الطريق، ظل ابو اسعد يقتص الأثر بدليل هنا ودليل هناك الى أن وصل الى «خربوش» على حدود القرية قد نُصب حديثاً، سلّم على صاحب الخربوش، وسأله :هل شاهدتم كبشاً مرّ من هنا؟ فأنكر صاحب الخربوش ان يكون رأى شيئا! ..صمت قليلاً: ثم عاد و سأله إن كان قد شاهد أحداً غريباً مر من أمام خربوشه أو كان بضيافته أمس..فعاد وأنكر صاحب الخربوش قائلاً: إن أحدا لم يزره منذ أسابيع..خجل الرجل من اتهامه مباشرة..ثم سأله: هل طبختم لحماً او شحماً أمس!..فحلف له يميناً قاطعة ان اللحم لم يدخل بيته منذ شهور..فلم يكن من «محمد الأسعد» الاّ ان طلب من صاحب البيت ان يحضر له شربة ماء ويرتاح قليلاً داخل الخربوش ..فرحّب الرجل وأدخله ..التفت أبو اسعد إلى زوايا البيت فشاهد نملة صغيرة تحمل قطعة بحجم حبة العدس «من الشحم»..أخذها ووضعها على حافة عباءته،ثم شاهد أخرى تحمل كتلة أكبر من «الدهن» انتزعها من النملة ووضعها إلى جانب الكتلة السابقة فوق عباءته..وهكذا إلى ان أصبح ما لديه يمكن ان يشم او يذاق او يلمس جيّداً..عندها واجه صاحب الخربوش بالدليل .. فاعترف الرجل على الفور بسرقة كبش..
«نتفة شبطة» لا تتعدى رأس الإصبع كشفت عن شخصية سارق الكبش.. وهيئات مكافحة الفساد .. لم نستّدل بعد على من سرقوا «الكبش» وأكلوا لحمه؟؟!
غطيني يا كرمة العلي بعباية «محمد الأسعد».
(الراي )