2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هذه نتائج الخطاب «المعلّب»..!

حسين الرواشدة
جو 24 :

بدل أن نجيب عن سر جاذبية " التطرف " بتنظيماته وذئابه المنفردة من خلال عقد المؤتمرات والندوات كان يمكن ان نطرح السؤال المضاد المتعلق بجاذبية الخطاب الديني والسياسي، هذه الجاذبية الموجودة – للاسف – على الطرف الاول والمفقودة على الطرف الثاني، لا يجوز ان تصدمنا فقط، وانما لا بد ان نبحث عن اسبابها ونذهب الى عناوينها الصحيحة اذا اردنا حقا ان نقلع احساك التطرف ونواجه عفاريت الارهاب التي تغلغلت في مجتمعنا .

يمكن ان نفهم المعادلة بمنطق ابسط، فالتطرف الذي جذب قطاعات من الشباب واقنعهم بخيارات عدمية، ثم دفعهم للانتقام من انفسهم ومن مجتمعاتهم لم يكن بمقدوره ان ينجز ذلك الفعل " الرهيب " والشاذ لو لم يجد امامه مساحات واسعة وفارغة نتيجة غياب الخطاب والفعل الصحيح الموكول للدولة والمجتمع، وكل ما فعله هو انه ملأ هذا " الفراغ " وسحب من الرصيد الديني والاجتماعي ما يريده في غفلة " الحراس " الذين توهموا انهم يواجهونه بادواتهم القديمة .

ببساطة اكثر، استطاعت الجماعات المتطرفة ان تفرز خطباءها وتشهر منابرها الاعلامية وشعاراتها لتقدم وجبات " دسمة " ومغشوشة لجمهور الشباب المتحمسين للدين، وكان الرد الطبيعي والمفترض ان تنهض مؤسساتنا الدينية لمواجهة ذلك من خلال خطط ذكية يتولاها " فقهاء " معتبرون، ومنابر مقنعة واعلام موثوق فيه، لكن ما حصل كان عكس ذلك، فقد تم اقرار استراتيجية مسلوقة لمواجهة التطرف، اعدها موظفون رسميون غير مؤهلين، كما تم فرض " خطب " موحدة في ايام الجمعة، ثم اغلقت بعض المساجد تحت شعار " المسجد الجامع "، فماذا كانت النتيجة ؟ الطرفان : المتطرفون ومن يواجهونهم، يتنافسون على جمهور محدد من الشباب المتدين، واغلب هؤلاء المصابين او الذين لديهم قابلية "للتطرف” لا يذهبون للمساجد، وبالتالي فان تجريد المساجد والمنابر (والخطاب الديني بشكل عام ) من جاذبيته وقدرته على الوصول والتأثير والاقناع سيصب – بلا ادنى شك – في رصيد " خطاب التطرف " وسيسحب اعدادا من الجمهور الذي يبحث عن ضالته في المساجد لحساب منابر اخرى يقف عليها خطباء يروجون لثقافة التطرف والتكفير والقتل، وبالتالي فان هذه الاعداد المنسحبة التي يخسرها طرف الاعتدال، ستذهب الى الطرف الاخر الذي نعلن الحرب عليه، لاننا عجزنا –بقصد او من غير قصد – عن فعل ما يجب علينا ان نفعله، او لاننا ركبنا رؤوسنا وتصورنا ان منطق الاكراه والاستعلاء هو الاسهل لحماية مجالنا الديني، او ان الخطاب المعلب هو البديل الافضل لمواجهة الخطاب الاخر .

النماذج الخطأ التي وصلتنا لمواجهة حالة ( ظاهرة ان شئت ) التطرف لا تقتصر فقط على " الخطبة " الموحدة الموجهة من الطرف الرسمي لجمهور المصلين والمستمعين في المجال العام، هذه التي ساهمت في تحويل المساجد من بيئة جاذبة الى بيئة طاردة، فهناك نماذج اخرى منها الحصار الذي تتعرض له كليات الشريعة بعد اقرار معدلات عالية للقبول فيها، وهناك الاولويات المعكوسة التي تتبناها المؤسسة الدينية من قبيل تقديم بناء المزيد من المساجد على توفير تدريب الائمة والخطباء لالاف المساجد التي تعاني من نقص هؤلاء، او الاعتناء بقضايا مثل محاسبة غير الملتزمين بالخطب الموحدة على حساب رفع مستوى معيشة الخطباء ومكافأة المميزين منهم .... وهكذا.

السؤال الذي يمكن ان يطرح بقوة هو : من يتولى ادارة الشأن الديني، وما هي الإستراتيجية التي تتبناها الدولة لمواجهة التطرف..؟ الاجابة بالطبع تحتاج الى مساحة اكبر للشرح والنقاش، لكن ما يمكن ان اسجله هو ان مجالنا الديني يعاني من حالة من الفوضى والارباك، فنحن لا نعرف من هم الفاعلون فيه، ولا يوجد مرجعية موثوق بها يمكن ان نعود اليها، كما ان التعامل معه غالبا ما يتسم بالارتجال والشخصية وغياب التخطيط والشراكات الحقيقية بين الرسمي والشعبي، الامر الذي ولد حالة غريبة من الشك والانسحاب والعزوف من قبل الجمهور المتدين عن الخطاب " المعلب " والجاهز، وهذا ما حصده المتطرفون الذين ينتظرون مثل هذه الهدايا المجانية .

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير