الشياطين التي تقف على حبة الشعير ..!
1 - في وقت مضى ، كنا نتندر بمن يسأل عن حكم دم البعوضة فيما كانت دماء المسلمين تسيل في ميادين "الفتنة” بينهم ، وعمن يسأل عن عدد الشياطين التي تقف على حبة الشعير ، فيما كانت "القسطنطينية” تواجه جيوش الروم ، اما اليوم فما اكثر الاسئلة التي تطرح على مهاراتنا الفكرية والسياسية والاعلامية حول قضايا "ادنى” من ذلك ، فيما تواجه بلداننا سؤال ان تحفظ كرامتها ام تظل "ملطشة” للمحتلين الذين يقايضونها اليوم على "ماء” وجهها
2 - ربط الاستقرار و الأمن بالخوف معادلة غير صحيحة، ذلك ان استخدام القوة المفرطة افرز من الناس اسوأ ما فيهم ، فيما كان من الممكن بل الضروري استبدال تلك المعادلة بحل ( العدالة) فقط، وهو حل جذري ، فبالعدالة يمكن (للأمن) ان يستتب، كما قال علي بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- للوالي الذي طلب منه المساعدة لبناء الحصون المدمَّرة بعد أن قلَّ الخراج: ( حصِّن ديارك بالعدل) .
3 -حركة الشعوب نحو ( التغيير) ومواجهة الظلم و الاستبداد غالبا ما تسير في خطوط ( متوازية) و بسرعات متقاربة، ولكن ما يضبطها أمر واحد وهو : ( بصيص) الأمل، فالذين يدركهم الاحباط وتغلق أمامهم الابواب، سرعان ما يجدون أنفسهم أمام خيار ( الصفر)، أما الذين يجدون ( أحلامهم) معلقة بنزول (( قطرات) الاصلاح أو بركات ( التغيير) أو ( أمل) الانفراج فتأخذهم حساباتهم الى الاحتمال و الانتظار و الرهان على أي جديد...حتى وإن كان مجرد وهم.
4 -ثمة من اعتقد قبل سنوات ان الازمة المالية التي تعرض لها العالم مؤامرة ضد المسلمين ، وثمة من يرى اليوم ان اقصاء الاسلام السياسي عن الحكم ومحاولة اجهاض حركة التغيير في عالمنا العربي واجهاض الثورات العربية مؤامرة ايضا ،وانا لست ضد فكرة المؤامرة ، فهي بشكل او بآخر تنم عن خطط وجهود وافكار منظمة يرتبها طرف ضد طرف اخر ، وسريتها لا تعني انتفاء مشروعيتها او وجودها في ظل انسانية تحكمها قوانين الصراع ، ولكنني ضد الاختباء خلف هذه الفكرة للتنازل عن مسؤولياتنا في حماية انفسنا من خصومنا ، او لتبرير ما نقع فيه من اخطاء ، او ما انتهينا اليه من مصير بائس ، لا على صعيد الخسارات التي كان يمكن ان نتجنبها لو انتبهنا الى مواطىء اقدامنا السياسية ، وانما على صعيد خساراتنا الشاملة في كل الميادين الاجتماعية والفكرية والسياسية ، فالعيب - اصلا - كان فينا وليس في أولئك الذين يدبرون لنا المصائد ويجرون خطانا الى ملاعبهم الملغومة.
5 - الحروب التقليدية - على بشاعتها - لا تستمر غالباً اكثر من شهور، وقد تنتهي بهدنة او اتفاقيات سلام أو تواجه بمقاومة مشروعة ، لكن حروبنا العربية الجديدة(حروب الكراهية ) لا تتوقف، ولا تعترف بمنطق "الهدنة” أو الجنوح الى السلم ، اهدافها اسوأ من حروب السلاح، وضحاياها لا يقتصرون على طبقة "المحاربين” فقط ، وحجم الكراهية التي تزرعها في النفوس اكبر من ان تواجه بالتدخلات او المقررات التي تفرض عادة "انهاء” العدوان بين الاطراف المتصارع..
6 - الاخرون انجزوا مشاريعهم وعالمنا العربي ما زال مشغولا باجهاض اي مشروع يخرج من "رحمه”، وبمواجهة اي مشروع يُطلب منه ان يتصدى له، ولا يوجد امامه الا خيار الانتقال من هذا الطرف الى ذلك الطرف وفق البوصلة المرسومة له وكأن قدره ان يظل "تابعا” لا متبوعا، وملحقا لا اصيلا، ومستقبلا لا مرسلا، ومقاولا لتنفيذ مشاريع الاخرين دون ان يفكر لحظة بأن له مشروعه الخاص وحريته الخاصة ايضا.
7 - الذين يجنحون نحو العنف و التطرف أو الذين يمارسون الارهاب ،(وما اكثرهم في هذا العالم المتوحش) لا يفعلون ذلك بأمر الهى يتصورنه خطأ، و لا بدافع ايماني يخولهم الدخول من خلاله الى الجنة ، ولكنهم كغيرهم من الاشرار يمارسون ما عجزوا عن فعله سياسيا واجتماعيا بالادوات ذاتها التي يمارسها السياسي و المفكر المحسوبين على خط( الارهاب) المقنّع ،أو المغطى بالسولفان ، فالاختلاف –هنا- في الادوات فقط ...أما المضامين فواحدة ....وإن اختلفت التسميات و الاعتبارات .