الاحزاب والعشائر والبرلمان القادم
أما وقد سارت الامور كما أرادت دوائر صنع القرار واكتملت الاعداد" للمعركة الانتخابية" وتزينت شوارعنا وساحاتنا وجدران بيوتنا بمظاهر ما يسمى بالعرس الديموقراطي وتصاعدت حمى الدعايات والاجتماعات والوعود التي لها أول وليس لها آخر ,وعود المرشحين بنقل البلد من حضيض الازمة المعيشية بكل ما فيها من الفقر والبطالة والفساد المالي الى مستقبل العدل والمساواة والكفاية حتى الرفاه, أما وقد اكتملت الصورة بكل ملامحها والوانها ومحتواها فلا بد من قراءة المشهد وتحليل مضامينه لكي يعرف الانسان الواحد منا,الانسان الذي ما زال لديه عين تبصر وأذن تسمع وعقل لم تتلفه آفات الامعية والنفاق والدونية امام الدرهم والدينار, الانسان الذي يأبى ان يلدغ من نفس الافعى ونفس الجحر ونفس السم المرة تلو الاخرى, الانسان العاقل المحب لارضه وشعبه ووطنه, التواق لأن يعيش هو واولاده واحفاده بكرامة مصونة وكفاية في معيشته بأن يأخذ وينال بقدر ما يقدم ويعطي بعيدا عن التعسف والاخضاع والتمييز لأي سبب كان.
وأمام هذا المشهد التعبيري المملوء بكل ما هو غير معقول أو مقبول فلا بد من الاشارة ببعض من التحليل لما يحدث على ساحة الانتخابات البرلمانية , وماذا يحدث الآن:
أولا: العشائر- العشائر ليست أحزاب وليس بامكانها ان تقوم مقام الاحزاب اذا كنا بحق نتكلم ان هناك ارادة راشدة لصاحب القرار في نقل البلد الى مربع الاصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد ,فالعشائر بكل ما لها في النفوس من الاحترام والتقدير لا يمكنها ان تحل محل الاحزاب ذات البرامج المدروسة القابلة للتطبيق على أرض الواقع ولا يمكنها أن تفرز النائب المناسب لأنتاج حكومة برلمانية ذات برنامج واضح ومنهجية راشدة وولاية عامة. فأبناء العشائر مع احترامي الشديد لهم يتنافسوا لأفراز النائب الذي يلبي حاجات ورغبات العشيرة ويدافع عن مصالحهم الخاصة بهم هم أنفسهم أفرادا وعشيرة بعيدا عن مصالح غيرهم من أبناء البلد. هذة العشائر المحترمة يمكنها فقط ان تفرز نائب خدمات لا أكثر وهذا ما جرت وتجري عليه العادة مذ كنا و كان هناك لدينا مجلس نواب فأين الربيع الاردني من كل هذا وأين الوعود التي تلقيناها طوال العامين الماضيين.
ثانيا: الاحزاب- ان الاحزاب لدينا هي أحزاب اما نمطية تعيش على المنهجيات البائدة والافكار الجامدة المعلبة وعبادة القائد التاريخي الملهم وتفتقر الى ادنى درجات الديموقراطية الداخلية وتؤمن بالديموقراطية الخارجية ايمان تكتيكي مرحلي وما جرى في البلاد التي ولدت فيها أفكار هذه الاحزاب من تجارب مليئة بالاخطاء القاتلة والممارسات المهلكة ,كل هذا لم يغيير من نمطية هذه الاحزاب فكرا وممارسة, وهي على أي حال أحزاب ضعيفة في تركيبها ضبابية وطوباوية في طرحها تحكم نشاطاتها جملة من الاعتبارات والرؤى المغلقة والمصالح الشخصية الضيقة ,وفوق كل هذا وذاك فأعداد المنتسبين لها ضئيلة ومدى قدرتها على التأثير في المجتمع محدود للغاية. أما الاحزاب الاخرى لدينا فهي أحزاب مراكز القوى وتحالف السلطة والثروة "الوظيفية" والتي تشكلت على مقاس النظام وبدعم ومباركة الحكومات المتعاقبة وعلى أيدي الكثير من رجالات الدولة السابقين فهي أحزاب هلامية التركيب ضبابية الاهداف ذات برامج لبرالية فضفاضة وعدى عن ذلك فان قواعدها الشعبية الفاعلة هي العشائر والعوائل لا أكثر.هذه الاحزاب على كثرتها غير قادرة على ايصال ممثليها الى البرلمان عبر قناعات الناس ببرامجها وطروحاتها ولهذا فهي الأخرى ان استطاعت ان تفرز نوابا فهولاء ليسوا أكثر من نواب خدمات لا نواب حكومات برلمانية فاعلة في مجال التشريع الحكيم الراشد ومجال الرقابة الصارمة على أداء السلطة التنفيذية والدوائر المرتبطة بها.
ثالثا: الاحزاب الاسلامية ممثلة بحزب جبهة العمل الاسلامي هي مقاطعة للانتخابات هذه المرة ,ولو شاركت عبر نظام الانتخابات الحالي وبالرغم من ان لها نظام حزبي محكم وقاعدة شعبية لا بأس بها فانها لن تكون قادرة على ايصال عدد كاف من النواب يمكنها من تأليف حكومة برلمانية حتى ولو حازت جدلا على كامل القائمة الوطنية ومثلهم عبر الترشح الفردي والاستعانة بالعامل العشائري الذي بدونه لن يحالفهم النجاح في الدوائر العشائرية المغلقة لا سيما وان الانتماء للعشيرة في بلدنا لا ينازعه أى انتماء آخر, هكذا ترعرت الاجيال وتربت على نفس الاسس التي كانت تقوم عليها جاهليتنا الاولى قبل ما يزيد عن اربعة عشر قرنا من الزمان وهي نفس الاسس التي قامت عليها جاهليتنا الثانية والتي بدأت مع نهاية حكم الخلفاء الراشدين وانتقال الحكم من الشورى الي الملك العضوض على يد عشيرة" بني أمية"
رابعا: وعلى فرض ان الانتخابات القادمة سوف تكون نزيهة تماما ؟؟ بدون تدخل من اية جهات رسمية كانت وبمعزل عن أي شكل من اشكال استخدام المال السياسي وبعيدا عن استعمال كل الاساليب التي نعرفها والتي لا نعرفها ففي ضوء الوضع القائم وموازين القوى على الساحة فان أشد الناس تفاؤلا لن يعطي للمعارضة!!! من مقاعد البرلمان اكثر من أصابع اليدين الاثنتين , وسوف يكون البرلمان القادم كالذي سبق وسوف يذهب الربيع الاردني أدراج الرياح ولن نرى أو نسمع اكثر من المديح الكاذب والشعارات الفارغة والوعود البراقة الخالية من أي مضمون ومحسوس على أرض الواقع وسوف بيقى الوطن مدان بمليارات الدولارات ولن تعود أموال الوطن المنهوبة على أيدي السراق الفاسدين والفقير سبيقى فقيرا والغني سيزداد غنى وسوف يبقى يتردد في الانحاء صوت المواطن الانسان شاديا:
سرقوا جرار الزيت
وحصيد نا والبـــيت
والصبر قال لشيبنا : يكفيك اذعانا