jo24_banner
jo24_banner

مجانية الطب ما لها وما عليها

د. رضا مومني
جو 24 :

الرعاية الصحية لكافة أفراد الشعب هي بلا شك من الواجبات الاساسية للدولة من الناحية الدستورية المتعارف عليها والتي استقرت عليها النصوص الملزمة في الغالبية العظمى من الدول,هذا هو الحال من الناحية النظرية اجمالا , أما من الناحية الفعلية فلكل دولة أسلوبها الخاص وقوانينها النافذة التي من شأنها تنظيم ذلك و ترجمتة على أرض الواقع , ويمكن اجمال الاساليب المختلفة المتبعة بهذا الشأن في جملة من الصور: 
أولها ـ مظلة التأمين الصحي بشقيه العام ( المدني والعسكري )والخاص(الشركات والمؤسسات والنقابات وغيرها) حيث يتم اقتطاع نسبة معينة تكثر أو تقل من راتب الموظف شهريا لقاء ما قد يحتاجه من خدمات صحية له ولأفراد عائلته في معظم الاحوال بشكل مجاني بالمطلق أو مقابل مبالغ رمزية حسب ما تنص عليه الانظمة والقوانين النافذة . وهنا تجدر الاشارة الى انه وبسبب تدني الرواتب والاجور خاصة في القطاع العام ولشرائح عريضة في القطاع الخاص فان ما يقتطع من دخلها الشهري لمصلحة التأمين الصحي عادة ما يكون قليل ولا يتناسب أبدا من حجم الخدمات الطبية التي ان كانت على المستوى المطلوب تكون عالية الكلفة مما يحمل الدولة وبالتالي يكلف المواطن دافع الضرائب أعباء اضافية تزيد من محدودية دخله وضيق معيشته وعلى الدولة من خلال الحكومات المتعاقبة والتشريعات المناسبة ايجاد المصادر الكافية لتغطية هذة الكلف العالية اللازمة للقيام بتوفير خدمة التأمين الصحي للمنتفعين بشكل لائق ومحترم خاصة في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية والعسكرية.
ثانيهاـ مظلة التأمين الصحي لغير القادرين وهذه فيها ما يقال أحيانا ,وما لا يقال في كثير من الاحايين , لأن الاصل هنا ان تكون هذة المظلة لغير القادرين فعلا , للناس الذين بسبب المرض أو العجز أو انعدام الراتب أو التقاعد أو اي مصدر كاف للدخل يكونون غير قادرين على تحمل نفقات المعالجة اللحظية والدائمة هؤلاء بالطبع يجب أن تقع مسؤليتهم على عاتق الدولة بالكامل, ولكن؟؟؟ وعلى أرض الواقع المعاش نرى بعضا من مثل هذا, والكثير الكثير من غير هذا . الكثير من الناس القادرين وأحيانا من الاغنياء ميسوري الحال نراهم يجلسون تحت هذة المظلة حاملي وثائق الاعفاءآت من جهة أو أكثر ويعالجون بالمجان على حساب خزينة الدولة أى على حساب المواطن دافع الضرائب .
ان شريحة غير القادرين والمفترض انها محدودة ومنحصرة في اطار شفاف وواضح ,هذه الشريحة كبرت وتضخمت حتى تكاد تبتلع كثير من الشرائح الاخرى من المواطنين بأساليب غاية في التحايل على الانظمة والقوانين حتى باتت فاتورة التأمين الصحي لغير القادرين حملا ثقيلا على الموازنة , فهل أولئك الاغنياء المحسوبون على هذه الجهة أو تلك أولى بالعناية الطبية المجانية من غيرهم ممن لسبب أو لآخر غير قادرين على الحصول على اعفاءآت رغم عدم قدرتهم الفعلية على تحمل أعباء المعالجة الضرورية لهم ,هل هذا جائز أم ماذا ؟
هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى وعندما نتناول شريحة غير القادرين الذين هم فعلا غير قادرين فهل مجانية الخدمات الطبية التي هي حق لهم وواجب على الدولة تعني ان تقدم لهم هذة الخدمة بشكل منفلت بعيدا عن الضوابط والرقابة والتعليمات الناظمة لها ؟؟ هل مجانية الخدمة الطبية تعني أن يتردد الفرد المنتفع منها على المراكز الطبية والعيادات والمستشفيات حينما يريد وكيفما يريد وان تجرى له الفحوصات والتحاليل والصور الشعاعية والطبقية وغيرها من الوسائل التشخيصية عالية الكلفة مع العلاجات اللازمة ثم يكون مصيرها بعد كل زيارة للطبيب أن تلقى في سلة المهملات ليتم اجراء هذة الفحوصات وصرف الادوية مرة اخرى واخرى فقط لأنها مجانية ولم تكلف المريض فلسا واحدا, هل مجانية الخدمات الطبية تعني ان هذة الخدمة لا ثمن لها فعلا أم ماذا؟؟
وهل يدخل تحت مسمى مجانية الخدمات الطبية ان يقون المريض بألقاء الادوية المكلفة في سلة المهملات بحجة ان هذه الادوية لم تناسب سيادته ؟ وهل يدخل تحت ذات المضمون ان يمتنع المريض أو ذويه من اخراجه من المستشفى بعد ان تستقر حالته الصحية كي يبقى عل سريره لأيام وأحيانا لأسابيع عدة بحجة عدم الشفاء الكامل ,علما ان معظم الامراض المزمنة لا شفاء كامل لها , أو بحجة عدم توفر الامكانات البشرية في الاسرة لرعايته منزليا , وهل مجانية الخدمات الطبية تعني ان يعود المريض الى العيادة أو المستشفى بعد أيام قلائل من تلقيه هذة الخدمة بحجج مختلفة معظمها ينحصر في عدم اعطاء المريض في المنزل العلاجات اللازمة في مواعيدها ومقاديرها ونوعياتها وعدم مراعاة التعليمات والارشادات الضرورية كون ان المريض لا يستطيع فعل ذلك وليس معه في المنزل من يكون متواجدا للمساعدة على ذلك.
هل يدخل تحت مظلة مجانية الخدمات الطبية ان يتم طلب سيارة الاسعاف المجانية على مدار الساعة لحالات غير اسعافية ولا طارئة ؟ وهل من الجائز استدعاء سيارة الاسعاف لنقل المريض الى المستشفى مجانا وبعض الاسر تمتلك سيارة خاصة أو اكثر تقف امام المنزل ؟ أليس هذا بعينه هو الحق الذي يراد به الباطل كله؟؟
لقد آن الاوان ونحن نتكلم ليل نهار عن الاصلاح ومحاربة الفساد ان ننجز شيئا على ارض الواقع وأن لا يتحول الحراك الجماهيري في هذا المجال الى مجرد ظاهرة صوتية وترف عقلى وملهاة لملىء الفراغ. آن الاوان ونحن نتكلم عن مجانية الخدمات الطبية ان نضع النقاط على الحروف بعيدا عن المغالاة والتنطع الارعن , يجب اعادة النظر في تعريف مفهوم(غير القادرين) والناس الذي يشملهم وحصر الاعفاآت بدائرة واحدة دون سواها هي وزارة الشؤون الاجتماعية وأن تقوم هذة الوزارة وبشكل شفاف وضمن شروط واضحة المعالم بحصر الحالات والفئآت الواجب منحها حق تلقي الخدمات الطبية مجانا بجانب حقها في تلقي المساعدات النقدية الشهرية على أسس واضحة غير قابلة للتأويل والشخصنة والمزاجية. ويجب وعبر وسائل الاعلام المختلفة مخاطبة الناس ان الادوية ونتائج الفحوصات المخبرية والشعاعية وكافة وسائل التشخيص المتاحة بكافة أنواعها هي في نهاية المطاف أموال ليس من حق المريض أو ذويه رميها في سلة المهملات وعلى المراكز الصحية والمستشفيات ان تمتلك الامكانات الادارية لحفظ كل المعلومات ونتائج الفحوصات والصور بكافة أنواعها في ملفات خاصة بالمرضى ,والاهم في ذلك ان يكون ملف المريض متاحا للأطباء على مدار الساعة للأطلاع على المعلومات اللازمة لحظة بلحظة وهذا لا يتم الا من خلال الحوسبة الشاملة في كل المراكز الطبية والمستشفيات ومراكز الاسعاف والطوارىء,هذا ولا بد من الاشارة هنا مرة اخرى على توعية المواطن بأهمية المعلومات والسيرة المرضية التي لا بديل عنها في كثير من الحالات اختصارا للوقت والجهد اللازمين لتقديم الخدمة الطبية بشكل مناسب وصحيح وفعال للحالات المرضية عامة والحالات المستعجلة الحرجة خاصة. ولا بد من التأكيد مرة أخرى على ضرورة بيان الحالات التي من حقها دون غيرها الحصول على خدمة سيارات الاسعاف المجاني.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير