jo24_banner
jo24_banner

الأردن ولعبة المحاور .. سؤال الدور والمآل

الأردن ولعبة المحاور .. سؤال الدور والمآل
جو 24 : كتب حاتم الهرش - من المؤكد أن هناك محاولات "ترميمية" لاستعادة تحالف ما كان يُعرف بـ"محور الاعتدال العربي"، بعد التصدّع الذي طال بعض أنظمته نتيجة للربيع الثوري، فغياب "مصر مبارك" عن هذا المحور أوجد فجوة سياسية عميقة في عمل منظومة "الاعتدال"، كان لزاماً على أحد أقطاب ذلك المحور ملؤها.

ولربما كان عنصر المفاجأة في انطلاق الهبات الشعبية في عواصم الثورة هو ما استدعى هذا التباين في المواقف بين بقية الدول العربية منذ بدء الربيع الثوري، بالتراوح ما بين "تلقي الصدمة"، وانتظار نتاجات حركة الجماهير في دول الثورة، وخطوات خجولة باتجاه الإصلاح، وأخرى "ترميمية" لإعادة تحالفات المحور وتوسيعه على غرار مشروع "انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي".

بات من الواضح أخيراً أن دول ذلك المحور تخطت مرحلة "الصدمة" إلى مرحلة لملمة الأوراق وإعادة ترتيب الأدوار، فحديث الرئاسة الفلسطينية حول الكونفدرالية مع الأردن، مع إفادات حول دعم الإمارات للفلول في مصر لتقويض حكم مرسي "الإخواني"، و تخوفات الملك عبد الله الثاني من "تحالف المتطرفين" بالإشارة إلى "مصر وتركيا وقطر"، وتخوفاته كذلك من حكم إسلامي في سوريا بعد سقوط الأسد أثناء لقائه مع بعض القوى، كل تلك الإشارات وغيرها من الدلالات الواضحة تشير إلى محاولات أنظمة ما عُرف بـ"محور الاعتدال" استعادة أدوارها في المنطقة والعودة إلى مربع "معاكسة إرادة الشعوب".

يبدو أوليّاً أن دول ذلك المحور باتت تعمل من خلال محورين:

الأول تُركّز فيه كل دولة على الداخل القطري من خلال استرداد ماكينة السلطة التقليدية في إفشال أيّ محاولة شعبية لصناعة تحوّل إصلاحي، ففي الأردن مثلاً، يُحوّل نشطاء الحَراك الشعبي إلى المحاكم، وتحاول قوى الشدّ العكسي تفكيك الحراك من خلال التشكيك في شرعيّته.ويُلاحظ في هذا الإطار توظيف كل دولة معطياتها الداخلية –على تباينها- لتجنّب سيناريوهات القلق، فبينما يُسوّق الأردن أطروحة "الأمن والأمان" للحفاظ على مكتسباته، تعتمد دول الخليج على المال في حفظ التوازن الداخلي لديها (السعودية والإمارات والكويت).

اما المحور الثاني فيعتمد على مواجهة "مشاريع التغيير الثورية في المنطقة" بإطارٍ جمعي، تعمل فيه دول ذلك المحور على تبني سيناريوهات مشابهة لما كان عليه الأمر في مرحلة ما قبل الثورات الى جانب تمسكها بذات الموقف مما كان يُعرف ب "محور الممانعة"، مع تغيير بسيط هو تعلق بعضها بفكرة الحيلولة دون تداعي اي نظام لصالح الاسلاميين .

الصيغة الأوليّة المطروحة ترتكز على أن يقوم الأردن بأدوارٍ لوجستية في المنطقة، أشبه بتلك التي كانت "مصر مبارك" تمارسها في مرحلة ما قبل الربيع العربي، مقابل تقويم العجوزات المالية للأردن من خلال المنح المتتالية، كمنحة المليار السعودية، ومنحة المليار الإماراتية، ومنحة الكويت التي قاربت الربع مليار وغيرها من المنح المتفرّقة.

التقارب "الغزلي" بين دول ذلك التحالف بات واضحاً نتيجة لتبادل الأدوار في تأمين بعضها بعضاً، فالأردن يُقدّم خدماته "الأمنية" في البحرين والكويت من خلال "الدرك"، والبحرين تتغزّل في الأردن، حيث تأكيدات السفير على أن "أمن واستقرار دول الخليج العربي من أمن واستقرار الأردن، بل إن استقرار الأردن يُعدُّ امتداداً للأمن القومي للوطن العربي ولدول مجلس التعاون الخليجي". لا بل لربما وصل الأمر إلى محاولات إماراتية لإيجاد روابط مشتركة على مستوى القرابة، حيث أكد حاكم الشارقة على أن "أصل الإماراتيين يعود إلى أنباط الأردن"!!

إذن يبدو أنه يُراد للأردن في هذه المرحلة العمل على ملء هذا الفراغ السياسي الذي فقده محور الاعتدال جرّاء انهيار نظام (مصر- مبارك)، وبالرغم من ذلك يصعب حتى هذه اللحظة حسم طبيعة الأدوار التي يُراد للأردن القيام بها على وجه التحديد، نتيجة سرعة المتغيرات في المنطقة وتخوّف الأردن الرسمي من ردّة الفعل الشعبية، لكنّ الصورة الأولية تشير إلى صفقات "تقويمية"- تبادلية" للتخلص من المشاكل التي تعترض أي دولة من دول محور الاعتدال.

ترتكز تلك المقاربة على ما يلي:

• يُقدّم الأردن خدماته الأمنية في مواجهة مشاريع التغيير في المنطقة عموماً، وأيّ تحركات شعبية في دول الخليج، مقابل تقليص العجوزات المالية والتحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن.

ونشير هنا، إلى أن هذا التوجّه الخليجي جاء بعد إدراكهم للإمكانيات المتفوقة للأردن في هذا المجال، خصوصاً وأن الدراسات تشير إلى أن الجيش الأردني يُعدّ الثالث قوةً في المنطقة، والعشرين عالمياً، وإلى مؤشر "العسكرة الدولية 2012" الذي كشف بأن الأردن ثاني أكثر دول الشرق الأوسط تسلحاً والخامس على مستوى العالم، مقارنة بموارده.

أضفْ إلى ذلك، أن دول الخليج استعانت بالأردن إبان الأزمة البحرينية، وهو مالم يكن سِراً، في حين تحدّثت المعارضة الكويتية عن تواجد للدرك الأردني في المظاهرات الأخيرة هناك.

ومع ذلك فإن الأردن لا يتماهى تماماً مع الرغبات الخليجية دائماً، فبالرغم من الحديث عن ضغوطات خليجية –سعودية تحديداً- باتجاه إشراك الأردن في أدوار عسكرية بآلية ما في الثورة السورية، إلا أنه نأى بنفسه عن هذه المشاركة، وهو ما يدل على أن الأردن ما يزال "متردداً" باتجاه خطوات واسعة للتماهي مع دول المحور الجديد في اتجاه يُخرجه عن إطار "الاتزان السياسي" في علاقاته التاريخية المتعارف عليها مع الدول العربية على وجه التحديد.

بالمناسبة، لا يقتصر الدور الأردني في عمل منظومة الاعتدال على الأدوار الأمنية فحسب، فقد يكون دوراً سياسياً في آليات عمل بعض دول المنظومة من باب "تصدير التجربة"، فقد رأينا أخيراً كيف تتجه الكويت إلى إقرار نظام الصوت الواحد لديها، ما أثار حفيظة المعارضة هناك!

• تلوح في الأفق معالم تسوية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن من خلال مسميات الكونفدرالية أو ما شابه، وبالرغم من أن هذا المشروع مطروح من عام 1988 إلا أن الجديد هو خطوة السلطة الوطنية الفلسطينية باتجاه الحصول على اعتراف دولي كدولة "مراقب" غير العضو في الأمم المتحدة، وهو ما يعني خطوة عملية بهذا الاتجاه على أساس أن الكونفدرالية لا تكون إلا بين سيادتين.

يُلاحظ في هذا الصدد، أن تصرفات السلطة تؤشر على استشعارها لقرب انهيارها من خلال انتفاضة وشيكة يتحدث عنها الساسة وتؤكدها وقائع الأزمة المالية التي يعيشها سُكان الضفة الغربية، إذ كشفت الاحتجاجات الأخيرة أن الفلسطينين في الضفة قاب قوسين أو أدنى من الانقضاض على مشروع (عباس- فيّاض) هناك. لذا فقد عمدت مصادر في السلطة إلى تسريب خبر "الكونفدرالية" عبر قنوات صحفية جسّاً للنبض في الشارعين الأردني والفلسطيني، ولوحظ عدم نفي الرئاسة الفلسطينية لهذا الموضوع من خلال الناطق الرسمي باسمها نبيل أبو ردينة، بل ذهب الى أبعد من ذلك حينما اعتبر بأن هذا الأمر مطروح منذ زمن، وأنه يمكن أن يكون في حال حصول فلسطين على الدولة المستقلة، وبرضا الشعبين من خلال استفتاء شعبي.

أردنياً.. قد تكون هذه الوصفة "ترياق شفاء" للفاسدين، إذ يُعدّ ذلك خروجاً من المأزق باتجاهين في نظرهم: إشغال الرأي العام الأردني بهذا الطرح بعد سنتين من حراك إصلاحي عمل على تعبئة الشارع باتجاه قضايا الفساد، والأمر الآخر أن ذلك سيكون مدفوع الثمن، بمعنى أنه سيعمل على إعادة الحالة الصحية للاقتصاد في الأردن.

وبذلك نجد أن الأردن بات ما بين مطرقة "الاعتدال" وسندان "المأزق الداخلي"، مطرقة الاعتدال الساعي إلى مواجهة مشاريع التغيير الثورية في المنطقة، وسندان المأزق الداخلي المُركّب من مزيج "سياسي اقتصادي".

الملك حذر في لقاء جمعه بقوى سياسية اردنية من تحالف "المتطرفين" بالإشارة إلى "مصر وقطر وتركيا"، وابدى تخوفه من حكم إسلامي في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، أقول: ربّما يكون ذلك ما يطرح سؤال الدور السياسي للأردن في مرحلة ما بعد الثورات العربية.

الملك قال لليساريين بأنه "يساري في التعليم والصحة"، رأى البعض في ذلك خطوة باتجاه كسب تلك القوى، وتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة سينايوهات ما بعد الانتخابات المقبلة، وهذه الخطوة وإن قُرأت على أنها داخلية، إلا أنها ليست بمنأى عن سياسة عزل الحركة الإسلامية باعتبارها امتداداً للمشهد الإخواني في دول الثورات، على كلّ الأحوال، بالرغم من هذه "الاصطفافات الآنية"، فإنها سرعان ما ستتلاشى اذا ما انهار نظام الأسد في سوريا.

هناك من يعتقد ان تموضع الاردن على هذا النحو واختياره لهذا الدور الوظيفي في اطار محور عربي جديد في مواجهة محور اقليمي اخر لن ينجح على الاطلاق لا سيما ان التجربة اثبتت ان الانظمة لم تعد قادرة على معاكسة إرادة الشعوب في المنطقة ، فضلاً عن أن الأردن سيواجه صعوبات وتحديات وهو يلعب مثل هذا الدور، وذلك لأسباب تتلخص فيما يلي:

أولاً: تنامي المشروع الإسلامي في المنطقة، مع خصوصية التوقيت وطبيعة ذلك النمو، فهو وليد زمن الثورات العربية، وهو إفراز ديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، ما يعطيه شرعية الشعوب التي لا تُغالب ولا تُغلب.

ثانياً: أن تجربة عمل "منظومة الاعتدال" فشلت سابقاً في مواجهة "محور الممانعة"، بالرغم من عناصر القوة التي كان يمتلكها "الاعتدال" في صيغته آنذاك نظراً للظروف الحاكمة، وبالرغم من أن "محور الممانعة" كان حينها أضعف مما هو عليه الآن .ناهيك عن التغييرات الجوهرية التي حدثت في تكوينه البنيوي ، على نحو ساهم في تمتينه واتساع قاعدته الجماهيرية ورقعته الجغرافية وأدواره السياسية.

ثالثاً: أن كل دول المحور الجديد الذي ولد من رحم محور الاعتدال تعاني من إشكاليات داخلية، لن تُمكّنها من الالتفات إلى ما الصورة الكلية للمشهد ، وبالتالي فإن الالتزام بالإصلاح الداخلي لأيّ قطر عربي هو أوليّة وأولوية لا ينبغي تجاوزها، وهذا ينسحب على الدول التي تغيرت أنظمتها، وأنتجت أنظمة "ديمقراطية".

رابعاً: أن الثورات العربية مشروع يستهدف بُنية النظام العربي الوظيفي عموماً، ما أن يستوفي شروطه الموضوعية في دولة حتى يفرض أجندته عليها، ولذا فإن الطريقة الوحيدة والكفيلة في مواجهته هي ترسيخ الإصلاحات الجذرية والتماهي مع مشروع الشعوب بدلاً من سياسات "شراء الوقت" و"الالتفاف".

خامساً: أن أيّ مشروع يستهدف الأردن، مهما كان مسمّاه، لن ينجح في مواجهة الإرادة الشعبية الواعية التي لا تقبل بتمرير المشاريع الصهيونية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.

سادساً: أن استعداء الثورات واستعداء الإسلاميين واستعداء الشعوب بسياسة المحاور ، يضعنا في موقف محرج إزاء دول "الهلال الإخواني" التي سُرعان ما ستتحول إلى حالة إسلامية مكتملة في أغلب الدول العربية، وقوة فاعلة على الأرض.

سابعاً: التغلّب على الهمّ الاقتصادي لا يكون بتحالفات تخالف سير الشعوب وأشواقها، أو بصفقات وتسويات على حساب الوطن، وإنما يكون بإصلاح حقيقي من بوابة "الإصلاح السياسي".
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير