فاتورة تختصر المشهد..!
حين سمعت تصريحات احد المسؤولين السابقين عن ضرورة التزام المواطن بدفع ما عليه من ضرائب للدولة، قلت في نفسي : نعم هذا واجب وطني لا يمكن لاي مواطن مخلص ان يتجاوزه او يعتذر عنه , لكن خطر في بالي امران , اولاهما ان بعض الذين يلحّون علينا بالدعوة الى تسديد فواتيرنا الضريبية غالبا ما يتهربون من هذا الواجب , والا كيف نفهم سر حرمان الخزينة من مئات الملايين بسبب التهرب الضريبي , ومن هو الذي يتهرب ؟ الموظف البسيط الذي يجد الاقتطاع على قسيمة راتبه ام الذين لا نعرف كم يدخل اليهم ولا يجدون احدا يحاسبهم .
الامر الثاني هو اننا حين نطالب الناس بدفع الضرائب فاننا نتجنب او نتجاهل السؤال عن الاسباب التي تدفعهم الى التهرب من هذه المسؤولية , وفيما اذا كانوا مقتنعين بعدالة هذه الضرائب اولا وبجدواها وعوائدها عليهم ايضا , لدرجة انني اتمنى ان يخرج علينا اي مسؤول لكي يقنعنا بان ما ندفعه من رسوم وضرائب يتطابق مع المنطق اولا ومع العدالة ثانيا .
ساكتفي هنا بتسجيل ملاحظتين على " منطق” الضريبة ثم على عدالتها ثانيا , وامامي نموذج " وصول مقبوضات " من دائرة السير يتعلق موضوعه برسوم التنازل عن سيارة ورهنها لدى احد البنوك , اجد في التفاصيل " 12” بندا موزعة بالشكل التالي : رسوم عدل (60, 30 ) دينارا رسم نقل ملكية (20 ) دينارا رسم طوابع نقل ملكية، ( 96 دينارا ) رسم عدل ملكية ، ( 3 دنانير ) رسم ثمن نموذج ،( 60 قرشا ) رسم عدل الرهن ، ( 12 ,30 ) دينارا رسم طوابع الرهن ( 60 , 42 ) دينارا ثم قسيمة ، ( 3 دنانير) واخيرا رسم اضافي لنقل الملكية ( 400 دينار ).
لدي سؤال واحد : هل يعقل هذا ؟ لمجرد تسجيل سيارة ورهنها يدفع المواطن نحو ( 642 ) دينارا , ثم ما هي هذه الالغاز وراء هذه التسميات , وبماذا تختلف الرسوم عن الطوابع , طبعا لا احد يستطيع ان يفك هذه الاحجيات , ثم يجد المواطن نفسه ملزما بدفع المبلغ دون ان يعرف او يفهم اي شيء .
الملاحظة الاخرى تتعلق بعدالة الضريبة ، وامامي نموذج ايضا وهو رسوم المسقفات التي يتم تحصيلها من قبل امانة عمان والبلديات ، اذ يدفع المواطن "تحويشة” العمر لكي يشتري شقة لأسرته واولاده هربا من تحكم "المؤجرين” والاجور الباهظة، وغالبا ما يحتاج الى قرض بنكي طويل الاجل يستنزف ثلث راتبه او اكثر، لكن سرعان ما يكتشف بانه اصبح "مستأجرا” لدى الحكومة وبان عليه ان يدفع ضريبة سنويا "اسمها ضريبة المسقفات” وحين يسأل لماذا؟ او مقابل ماذا يقال له: هذا ما يفرضه القانون.
لا ادري اي قانون هذا الذي يفرض على المواطن ان يدفع ضريبة سنوية على "منزله” الذي هو ابسط حاجة انسانية يمكن ان يفكر بالحصول عليها، ولا ادري كيف وافق "المشرّع” الاردني على معاقبة الناس الذين مارسوا حقهم في الحصول على "السكن” بدل ان ينتظروا من الدولة ان توفره لهم؟.
لا تقتصر المسألة على هذه "الضرائب” والرسوم العجيبة، فعدد "الضرائب” التي تترتب على المواطن الاردني لا تحصى، وربما لا توجد دولة في العالم لديها ما لدينا من ضرائب، ومن يتفحص بنود اية "فاتورة” سواء كانت فاتورة كهرباء او ماء او ترخيص سيارة او رخصة بناء.. الخ، سيجد انواعا من الضرائب يصعب فهمها، فثمة ضريبة اضافية واخرى بدل عداد تم شراؤه سلفا وثالثة للجامعة ورابعة للتلفزيون وخامسة للصرف الصحي، بل ان ثمة ضرائب على الضرائب وضرائب ليس لها اسماء ايضا.
كيف يستطيع المواطن الاردني ان يدفع من دخله "المتواضع” كل هذه الضرائب وكيف يمكن ان يقتنع بان عليه حين يفكر بشراء "وجبة طعام” ان يدفع عليها ضريبة "مبيعات” تعادل خُمس ثمنها؟ وهنا لا فرق بين الغني والفقير لان ضريبة "المبيعات” توحد بينهما تماما.
السؤال الذي ما زال غائبا عن اجندة نقاشاتنا هو: هل الضرائب في بلادنا منطقية وعادلة؟ وهل حان الوقت لنفتح ملف "الاصلاح” الضريبي لكي نعيد التوازن الى مجتمعنا، ونستعيد "الطبقة” الوسطى التي اصبحت تحت خط الفقر؟
لا ادري اذا كانت ثمة اجابة لدى الحكومة لكنني اعتقد ان الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الناس خاصة ذوي الدخول المتواضعة يجب ان تدفعنا الى رفع شعار "اصلاح الضرائب” وهذا لا يقل اهمية ابدا عن شعار "اصلاح السياسة” اذا افترضنا ان هذا الاخير سيحتاج الى وقت طويل حتى يصل الى فتح ملف الضريبة واوضاع الناس الحياتية وما يعانونه من عوز وعدم قدرة على الوفاء بالتزاماتهم تجاه "اسرهم” فكيف بالتزاماتهم تجاه "الحكومة” والخزينة العامة.