عمان – دمشق : رسائل مشفرة..!
"عينة” الرسائل التي وصلت من دمشق الى عمان على امتداد الايام الماضية كانت مشفرة و " مشوشة "ايضا ، لكنها تحمل العديد من الدلالات , ليس فقط لانها تعبر عن ارتباك النظام السوري في مواجهة دفع فواتير مرحلة ما بعد التوافق الروسي الامريكي , بما فيه من مقايضات وصفقات، وما يترتب عليه من استحقاقات على النظام، وانما لانها تكشف منطق النظام وحلفائه في قلب الحقائق وتشويه المواقف، وهو المنطق الذي اوصل سوريا الى ما وصلت اليه .
هل يخشى النظام من اي تدخل بري في عمق الجنوب السوري ؟ اعتقد ان الاجابة لا تتعلق فقط بهذا التدخل المفترض لسببين على الاقل , الاول ان النظام يدرك ان العرض كان قد سبق وتلقاه الاردن في اسوأ لحظة ضعف كان يمر بها قبل ان تدخل روسيا وتسعفه، لكن الاردن رفض ان يتدخل انذاك، ودفع ثمن هذا الموقف على اكثر من صعيد، اما السبب الثاني فهو ان ما حدث من تحولات في المواقف الدولية ( خاصة مع وصول ترامب ) وانتهى الى تحديد اربع مناطق شبه آمنة ( تخفيف حدة الصراع ) بضمانة روسيا وتركيا وايران كان مجرد عنوان لمرحلة سياسية قادمة هدفها " تغيير " راس النظام واعادة هيكلته، وهذه لا علاقة للاردن بشكل مباشر بها , وبالتالي فان النظام حين يهدد ويرعد ضد الاردن فانه يذهب الى العنوان غير الصحيح، ويحمّل الاردن مسؤولية فشله وسوء تقديراته ايضا .
يمكن – للمقاربة هنا - ان نتذكر مسألتين فقط , الاولى هي انه سبق لتركيا ان دخلت عسكريا الى الشمال السوري , وحررت اكثر من مدينة هناك من سيطرة داعش ( جرابلس والباب وغيرهما ) فيما اكتفى الاردن بالمشاركة مع التحالف الدولي لتوجيه ضربات جوية لداعش، اما المسالة الاخرى فهي ان سوريا اليوم تشهد حروبا ضارية على اراضيها، فالى جانب روسيا وايران هنالك جنود ومستشارون ,من الصين وبريطانيا وامريكا , وتنظيمات مختلفة ومليلشيات مذهبية , وبالتالي فان دخول اي قوات جديدة , سواء من الحدود الاردنية او غيرها لن يضيف كثيرا الى المشهد القائم , السؤال هنا : لماذا يتحسب النظام السوري من الجبهة الجنوبية فقط ؟
الاجابة هنا يمكن ان تكون مفهومة في سياقين : الاول تزامن المخاوف السورية مع تمرين " الاسد المتأهب "ورغم ان الاردن نفى ان تكون لهذه المناورات اي علاقة بما حدث في الجنوب السوري، الا ان النظام قرأ الرسالة بشكل اخر، وربما وظفها لاهداف سياسية لها علاقة بما يفكر به بعد تحديد المناطق " الاقل تصعيدا " وخاصة على مائدة المحادثات في جنيف، اما السياق الثاني فهو ان التوقيت ايضا تزامن مع اقتراب مرحلة " استئصال " وطرد داعش في الرقة والموصل , ومع اعلان الاستراتيجية الامريكية لمحاربة التنظيمات الارهابية التي تضمنت دور الحلفاء في هذه الحرب , ثم مع تصاعد المخاوف الاردنية من " فيضان " داعش بعد الاطباق عليها لمناطق قريبة من الحدود , وهذه كلها عززت من مخاوف النظام بقرب " الحسم " العسكري في سوريا , وهذا " الحسم " لايد للنظام فيه، وانما ستحدده موسكو مع واشنطن فقط، الامر الذي حرك حلفاء النظام مثل ايران وحزب الله ودفعهم الى اشهار مخاوفهم مما قد يحدث .
اعتقد ان الاردن لا يفكر حتى الان باي تدخل عسكري في الجنوب السوري , بانتظار امرين : الاول ما يتعلق بمصير المنطقة " الآمنة " في درعا من حيث الترتيبات التي ستعلق بداية الشهر القادم وفيما اذا كان الاردن سيشارك فيها ام لا , الامر الثاني هو استجابة الفاعلين في سوريا (روسيا تحديدا ) للمطالب الاردنية التي تلخصت في حماية الحدود من المليشيات والمذهبية , ثم التأكد من عدم تهديد داعش او امتدادها للاردن بعد محاصرتها في الرقة , وقد يستدعي ذلك التفكير باقامة شريط او منطقة عازلة على الحدود .
في هذا الاطار ,يمكن فهم الحركة الاردنية في اكثر من اتجاه، سواء بالتحالف مع روسيا او توثيق العلاقة مع الفصائل والعشائر في البادية الجنوبية لسوريا , او في توجيه رسالة لطهران عبر مسقط , او في الاستعدادات التي تجري على الحدود لمراقبة الوضع واستباق تطوراته .. وكل هذه التحركات مفهومة في سياق حماية الامن الوطني من اي خطر داهم .