هل توسعت البنوك في الاقراض ؟
ما زال البعض يتحدث عن ضرورة تشجيع البنوك على تقديم المزيد من التسهيلات لفعاليات القطاع الخاص ، فالبنك المركزي يوظف عمليات السوق المفتوحة لضخ المزيد من السيولة في خزائن البنوك لتتوسع في تقديم التسهيلات ، والحكومة تبرر سعيها للاقتراض من الخارج بالرغبة في عدم مزاحمة القطاع الخاص في الحصول على التسيهلات المصرفية ، وكأن عدم كفاية التسهيلات هو العقبة التي تقف في وجه النمو الاقتصادي المنشود.
لكن الأرقام والإحصاءات الرسمية تعطي صورة مختلفة ، وتقول إن البنوك توسعت في تقديم التسهيلات بأسرع من نمو الودائع ، أي أنها لجأت للسحب على سيولتها السابقة لتمويل القروض الجديدة.
وهنا نلاحظ أن إجمالي الودائع لدى البنوك ارتفع خلال اثني عشر شهراً لغاية نهاية تشرين الأول الماضي بنسبة 3ر6% فقط ، في حين أن إجمالي التسهيلات الممنوحة من البنوك زاد بنسبة 1ر12% ، فالاتجاه التوسعي واضح.
بل إن الصورة تصبح أكثر وضوحأً إذا أخذنا بالاعتبار أن الودائع بالدينار انخفضت خلال اثني عشر شهراً بنسبة 16ر0% ، أي أن النمو المحدود للودائع الذي تحقق كان بالعملة الأجنبية (دولرة).
صحيح أن سيولة الجهاز المصرفي ما زالت عالية وتقارب 150% من الحد الأدنى الذي تفرضه معادلات البنك المركزي ، ولكن معظم هذه السيولة مركز في البنكين الكبيرين العربي والإسـكان. أما البنوك الأخرى فقد استنفدت طاقتها الإقراضية أو كادت ، وأصبحت تعرض على المودعين أسعار فائدة عالية لتعزيز سيولتها وتمكينها من تقديم المزيد من التسهيلات وتوسيع حصتها من السوق المصرفية.
هذا الاستقطاب في الجهاز المصرفي يجعل أي تحليل يعتمد على الأرقام الكلية للجهاز مضللاً ، فالسيولة الزائدة متوفرة لبنكين فقط لا يبدو أن لديهما الرغبة في التوسع.
بعبارة أخرى فقد أصبحت لدينا مجموعتان من البنوك واحدة تملك السيولة الزائدة ولا تتوسع في الإقراض ، والثانية توسعت في الإقراض إلى الحدود المسموح بها ، أي أن هناك بنوكاً أكثر جرأة في العمل ، وبنوكأً أكثر تحفظأً ، وتقنع بحصتها في السوق ومستوى الأرباح التي تحققها.
يستطيع البنك المركزي العمل على إعادة الجانبين إلى قدر أكبر من التوازن ، ابتداءً باستخدام نفوذه الأدبي ، وانتهاء بإجراءات وحوافز إيجابية وسلبية ترفع كلفة التحفظ الزائد.
(الراي )