ترامب والعرب والإجماع الإستراتيجي
د. حسن البراري
جو 24 :
تاريخيًا، يتشكل الحلف بين دولتين أو أكثر عندما يكون هناك مصدر مشترك للتهديد، ومن دون ذلك تنتفي الحاجة لتكوين أحلاف عسكرية. فقرار الانضمام إلى حلف ما أو المشاركة بتأسيسه تتبع معادلات الربح والخسارة، فالدولة بهذا المعنى هي لاعب عقلاني يأخذ بالحسبان الكلف والعوائد المترتبة على الدخول في حلف أو البقاء خارجه.
الكتابُ الذي ترك أثرًا في فهمي لمسألة الأحلاف هو الذي وضعه ستيفن والت عام ١٩٨٦ عندما قدم مساهمةً نظريةً هي الأهم – بتقديري – لفهم كيفية تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط. وفي الكتاب (أصول التحالفات) يقدم ستيفن والت نقدًا للمدرسة الواقعية التي تركز على موازين القوى لفهم التحالفات ويدخل مكانه مفهومًا جديدًا هو ميزان التهديد. وهذا الأمر تطلب بأن ينقلب ستيفن والت على تعاليم المدرسة الواقعية لأنه أدخل عناصر داخل الدولة لفهم طبيعة التحالف وهي انطباعات صُنّاع القرار ونواياهم. بمعنى آخر يحدد ميزان التهديد عوضا عن ميزان القوى من هو الصديق ومن هو الخصم المنافس وهذا يتطلب فهما خاصا بنوايا المنافسين.
من هو مصدر التهديد بالنسبة للعرب؟ حاول الكساندر هيغ وزير خارجية رونالد ريغان في فترة رئاسته الأولى طرح فكرة الإجماع الإستراتيجي لإبراز إيران كمصدر للتهديد لتسويق إقامة حلف يضم الدول العربية وإسرائيل، وكان لاشتداد وطأة الحرب العراقية الإيرانية أثرًا على تفكير وزير الخارجية الأمريكي، والحق أن العرب رفضوا هذا الإجماع الإستراتيجي الجديد لأن إسرائيل كانت تعد مصدرًا رئيسيًا للتهديد لا يقل خطورة عن إيران. فالعرب ورغم الحرب مع إيران كانوا يأملون بأنه حالما تضع الحرب أوزارها فإن التوصل إلى تفاهمات مع إيران لن يكن ضربًا من الخيال.
غير أن إيران بأيدلوجيتها وأهدافها في السياسة الخارجية لا تمثل قوة تحافظ على الوضع القائم وإنما هي قوة تعمل على خلق فراغات لتملأها عن الطريق التنمر والتدخل المباشر كلما يكون ذلك متاحًا. وبالفعل وفرت ثورات الربيع العربي وانكفاء إدارة أوباما فرصةً لتوسيع التأثير الإيراني السلبي الذي يزعزع الاستقرار. تغيرت صورة إيران بهذه الحالة وأصبحت تشكل مصدرا للتهديد وفقا للسعودية والمحور السني إن جاز التعبير.
زيارة ترامب للسعودية غدا وبعد يوم غدا والقمة الأمريكية الإسلامية تأتي في سياق تكون إجماع جديد يرى بإيران مصدرا لتهديد الاستقرار الإقليمي. ويأتي ترامب مدفوعا بثلاثة اعتبارات هي: مشاركته للسعودية بأن إيران هي المصدر الرئيسي للتهديد وهذا على عكس موقف الرئيس أوباما، ثم استبطان ترامب بأنه بحاجة الدول السنية لإلحاق هزيمة بتنظيم داعش، وأخيرا يرغب ترامب في تحسين صورته أمام المسلمين بعد أن تكون انطباعا واسع الانتشار بأنه يعادي الإسلام.