هل أميركا دولة عظيمة
لمدة خمسة عقود بعد الحرب العالمية الثانية ، كان النظام العالمي يقوم على معسكرين ، على رأس كل منهما دولة عظمى: المعسكر الغربي الرأسمالي وعلى رأسه أميركا ، والمعسكر الشرقي الشيوعي وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي.
الدول المتفرقة خارج المعسكرين أخذت لقب دول العالم الثالث (المتخلف) ، وكانت تسمي نفسها دول عدم الانحياز ، مع أن معظم أعضاء عدم الانحياز هم في الواقع تابعون لهذا المعسكر أو ذاك.
بانهيار الاتحاد السـوفييتي ، وتفكك المعسكر الشرقي ، وسقوط الشيوعية ، وصعود ما كان يسمى (العالم الحر) ، انفردت أميركا بمركز الدولة العظمى الوحيدة ، لكن الزمن لم يطل حتى عادت روسيا بقوة تحل محل الاتحاد السوفييتي ، وتعتبر بدورها دولة عظمى ، وإن كانت أقل عظمة من منافستها أميركا.
على هذا فإن كون أميركا دولة عظمى لم يتعرض للتحدي أو الإنكار حتى سمي القرن العشرون قرناً أميركياً ، ثم جاء دونالد ترمب كمرشح في الانتخابات الرئاسية ، وأعلن بالصوت العالي عن برنامجه لجعل أميركا دولة عظمى مرة أخرى.
يفهم من هذا الشعار الرنان أن أميركا لم تعد في نظر ترمب دولة عظمى ، وأن ترمب كرئيس هو الذي سوف يجعلها دولة عظمى مرة أخرى ، وهذا إدعاء لم يشاركه أحد به. ومن سخرية القدر أن يتخبط ترمب في البيت الأبيض فيضعف مركز أميركا العالمي بدلاً من أن يقويه.
أميركا تملك كل مقومات الدولة العظمى ، فلها أكبر اقتصاد في العالم ، ولديهـا من القنابل الذرية والهيدروجينية ما يكفي لتدمير العالم عشر مرات ، وجنودها متمركزون في مختلف القارات ، وأساطيلها موجودة في جميع البحار والمحيطات ، السؤال هو ما إذا كان ترمب يستطيع أن يقضي على عظمة أميركا كما قضى غورباتشيف على عظمة الاتحاد السوفييتي.
عظمة أميركا لا تقوم على قوتها العسكرية والاقتصادية فحسب ، بل على إسهامها في تقدم الحضارة الإنسانية ، يكفي القول أن أميركا هي التي اكتشفت الكهرباء ، والهاتف ، والمصباح ، والسيارة ، والطائرة ، والكمبيوتر ، وفيها أرقى الجامعات وأهم مراكز البحث وأفضل المستشفيات ومصانع الادوية.
أميركا تسبق العالم وتقوده ، وإذا أردت أن تعرف ما سيحدث في العالم غداً فانظر لما يحدث في أميركا اليوم.