هل ركب الإخوان قطار «طهران»؟!
انحياز اليسارين والقوميين الى طهران كان مفهوماً في سياق الدفاع عن النظام السوري ضد الثورة الشعبية التي انطلقت قبل نحو 6 سنوات، آنذاك كان المشهد واضحاً، ثمة من اصطف الى جانب "الربيع” العربي ومشروع التغيير، وعلى رأسهم "الإسلاميون” وثمة من اختار مربع إبقاء الأنظمة القائمة او إعادة تدويرها إذا لزم الامر، وفي مقدمة هؤلاء تيار اليسار ومن تبقى من القوميين العرب.
كانت الثورة السورية بمثابة نقطة تحول في افراز مشروعين : مشروع طهران الذي تجسد فيه "الطموح” الشيعي السياسي وتنشطت من خلاله "اذرع” إيران في المنطقة، وقد منحته "الحاضنة” الروسية منذ عام 2014 ما يلزمه من قوة وشرعية، ثم مشروع تركيا الذي تقاطع احياناً وتعارض احياناً مع الطرف العربي، لكنه ظل يمثل "رافعة” سياسية للإسلام السياسي "وأملا” للشعوب العربية التي أخذت تبحث عن "تغيير” لها، وهنا لم يكن بمقدور هذه الشعوب، ولا الدول المحسوبة على خط اسقاط الأسد ومواجهة المد الإيراني أن تميز بين تركيا التي تحسب مقرراتها على مسطرة مصالحها وبين تركيا التي كانت في يوم من التاريخ ممثلة للخلافة الإسلامية.
المشكلة هنا ان العرب لا يمتلكون رؤية موحدة ولا مشروعاً يمكن الاعتماد عليه في إقامة التحالفات وتبادل الأوراق على اي طاولة، وبالتالي فإنهم -على مستوى الدول والنخب ايضاً- ظلوا متنقلين بين هذا المشروع او ذاك، الى ان دخلت روسيا على الخط، وتصاعدت نبرة الإرهاب في المنطقة، واقتنع الجميع ان المعركة لم تعد مع الأنظمة، حتى وان قتلت شعوبها، وانما مع "الإرهاب” الذي انفجر في كل مكان.
في الاثناء، وصل ترامب الى البيت الأبيض، واستدارت السياسية الامريكية نحو التوافق مع "رؤية” بوتين، ووجدت تركيا نفسها أمام خيارات متناقضة، كما وجد العرب أنفسهم أمام "تصفية” داهمة لا بد من استدراكها بشراء ذمة واشنطن وربما تمرير صفقة "ترامب” بفرض تسوية إقليمية جديدة.
برز هنا المشروع الإسرائيلي الذي ترعاه واشنطن بقوة، وأراد العرب - أو هكذا أصبح مطلوباً منهم- ان يغيروا اولوياتهم، فإيران أصبحت العدو الأول بدلاً من إسرائيل، وتركيا انسحبت من صدارة المشهد، والإرهاب أصبح "عنواناً” للتوازنات والتحالفات في المنطقة.
لم يكن الإسلاميون بعيدين عن المشهد، فمنذ انتهى حكمهم في مصر، ظلت انظارهم تتطلع الى انقرة تارة والى بعض دول الخليج تارة أخرى، فيما انحازوا ضد التحالف الروسي والإيراني مع النظام السوري، لم يكن في تصورهم آنذاك ان يجدوا انفسهم وجها لوجه أمام بروز مشروع امريكي منحاز بالكامل لإسرائيل، ولا أمام سقوط أوهام هزيمة النظام السوري او ازاحته، ولا أمام نهاية "المد” الإيراني، كانت احلامهم آنذاك تتراوح بين عودة مرسي ومغازلة تركيا والصمت على واشنطن وانتظار "صحوة العرب” على الاعتراف بهم مجدداً بعد ان أصبح التهديد لا يتعلق بحدود دورهم ونفوذهم فقط وإنما بوجودهم ايضاً.
ربما كانت زيارة ترامب الأخيرة "منعطفاً” في إعادة تفكير الإخوان "الإسلاميين” عموما بتحالفاتهم، اذ أدركوا ان إيران اصحبت محطة اجبارية لمواجهة المشروع الإسرائيلي الذي ظهر انه يتقاطع بحكم الضرورة -ربما- مع واقع عربي مزدحم بالهواجس والانكسارات، ومع تحولات عميقة في السياسيات الامريكية خاصة فيما يتعلق بملف الإرهاب الذي اضيف اليه "الإخوان” باعتبارهم مصدراً من مصادره.
هل تناسى الإخوان حقاً ما فعلته إيران في سوريا وما تفعله الآن في العراق واليمن ايضاً؟
هل بمقدورهم أن يصعدوا على "المركب” الإيراني دون أن يدفعوا "الأجرة” المترتبة او الضريبة المفروضة، هل يراهنون على اقتراب طهران من انقرة لضمان حلف جديد يتناسب مع طموحاتهم السياسية لمواجهة محاولات استئصالهم او لمواجهة المشروع الإسرائيلي الذي ترسمه واشنطن لتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة من جديد.
لا أحد يستطيع ان يجيب على هذه الأسئلة لكن المؤكد ان "الإسلاميين” على وشك ان يركبوا القطار المتجه الى طهران، وفي حساباتهم ان هذا القطار هو الوحيد الذي تبقى لهم، ومن دونه سيجدون أنفسهم واقفين في طابور الانتظار امام "تصفية” لا مجرد تسوية و”صفعة " وليست صفقة...الامر الذي تراه طهران فرصة ثمينة لكي تتمدد وتكتسب مشروعية انحياز الاخوان لها كما اكتسبت اليسار من قبل...وهي هدية لا تقدر بثمن.