إلى الوزير الطويسي: تقييم مجالس الامناء لرؤساء الجامعات .. تجريب للمجرب!
جو 24 :
* كيف يقيّم مجلس أمناء جامعة رئيسا جاء به "على مقاسه"؟!
أحمد الحراسيس - عقد مجلس التعليم العالي الخميس جلسة لاقرار المعايير والمؤشرات والنماذج الموحدة لتقييم رؤساء الجامعات الحكومية في المملكة، حيث سيتم تكليف مجالس أمناء الجامعات بإجراء التقييم وفقا لتلك المعايير والنماذج الموحدة خلال مدة ثلاثة أسابيع. والحقيقة أن تلك الخطوة لن تكون مجدية إذا ما تُرك الأمر لرؤساء مجالس الأمناء..
وحتى لو قلنا إن مجلس التعليم العالي "سيجري ما يلزم للتحقق مما ورد في تقييمات مجالس الأمناء"، فإن ذلك لن يُغيّر من واقع الحال شيئا، فلقد جرّبنا وخبرنا تلك الاجراءات ونعتقد أنها لن تختلف كثيرا عن سابقاتها، وستظلّ الأهواء والتوجهات هي الفيصل في اطلاق الأحكام؛ إلا إذا شاهدنا تغييرا حقيقيا على أرض الواقع الذي لم يعد يتحمّل مزيدا من العبث.
حتمية الاصلاح
تعيش المملكة اليوم على وقع الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والورقة النقاشية الملكية السابعة، والتي لم تدع لأحد مجالا للقول إن حال التعليم العالي على ما يرام، بل إنها جميعا تقرّ بالتراجع الكبير في مستوى التعليم العامّ والعالي، وهو ما يستلزم البدء بالعلاج بشكل فوريّ وعاجل. ولعلّ أهم خطوات الاصلاح هي التأسيس له، فإذا كانت البدايات غير سليمة ولا صحيحة فإن مصير ما يُبنى عليها بالضرورة هو الانهيار.
ومن خلال متابعتنا الدقيقة، يمكننا الشهادة لوزير التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي بعلمه مواطن الخلل في منظومة التعليم العالي، كما أنه يعرف جيّدا سبل تصويب تلك الأخطاء، لكنّه يبدو حريصا على عدم خلق "أعداء" له، وهذا أمر سلبي مرفوض من أي مسؤول، فهذه مؤسسات وطنية وعامة وليست شركات خاصة، والفيصل فيها هو حسن الأداء وليس "امساك الخواطر".
تقييم رؤساء الجامعات
قلنا إننا خبرنا عبثية الاكتفاء بوضع أسس لتقييم رؤساء جامعات واختيار اخرين خلفا لهم، ولنا في الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك عبرة كما لنا في مجلس التعليم العالي المقال مثال؛ فقد تم إقالة أعضاء من مجلس التعليم العالي السابق لمخالفتهم توجهات رئيسهم كما تم تغيير رئيس أمّ الجامعات وجامعة اليرموك بالرغم من التقييم الايجابي الذي تحصّلا عليه.
وقد لا يختلف الحال اليوم عنه بالأمس، خاصة في ظلّ اطلاعنا على علاقات بعض رؤساء الجامعات برؤساء مجالس أمنائها، حتى وصل الأمر بأحدهم أن أقام وليمة "إفطار" على شرف رئيس مجلس أمناء الجامعة التي يديرها وأعضاء في المجلس بعد أيام من اعلان التعليم العالي اجراء تقييم لرؤساء الجامعات الحكومية وتحديد أسس ذلك التقييم. وقد كان الأصل برئيس مجلس الأمناء وأعضاء المجلس الترفع عن تلبية الدعوة اتقاء للشبهات.
لا نعلم كيف سيقبل الطويسي وكيف سيقنع الناس والمراقبين بأن رئيس مجلس أمناء جاء برئيس جامعة "على مقاسه" يمكنه أن يضع تقييما سلبيا لذلك الشخص؟! وكيف يمكن للجنة المشكّلة أن تتحقق من تقييم مجلس الأمناء إذا كانت ستعتمد على المعلومات الواردة إليها من الجامعة أو مجلس الأمناء دون تدقيق وتحقق بوسائل علمية وصحيحة.
وهنا لا بدّ لنا من لفت أنظار الطويسي إلى أن كثيرا من الأكاديميين والمراقبين كانوا يطالبون خلال الفترة الأخيرة بإعادة تقييم أداء مجالس أمناء الجامعات وإعادة تشكيله بما يخدم العملية التعليمية وتلك الجامعات.
أحوال الجامعات
لا يخفى على الوزير الطويسي الحالة المتردية التي وصلتها بعض الجامعات، ولكن لا بأس من تذكيره ببعض المظاهر السلبية التي تهدد تلك المنارات، ولعلّ أبرزها فقدان "رئيس الجامعة" مصداقيته أمام العاملين فيها والطلبة، بالاضافة إلى ممارسات أخرى تؤذي العملية التعليمية في تلك الجامعات.
لا يمكن لعاقل أن يتصور قيام جامعة بتقسيم مبلغ يصل 1.5 مليون دينار مثلا "كانت مخصصة لتحديث وتطوير الأجهزة التي يستخدمها الطلبة والمدرسون" إلى قسمين، فتذهب 300 ألف دينار لشراء أجهزة وتحديث الأدوات، بينما يحوّل باقي المبلغ لصيانة المكاتب!
كما يصعب علينا تخيّل أن تعتمد ادارات جامعات نهجا "بوليسيا" في ادارة شؤون الجامعة؛ فتصبح المواقع الادارية والترقيات فيها مرتبطة بـ "تملّق الأكاديمي لرئيسه"، بينما يتمّ التضييق على أصحاب الرأي ممن يسعون إلى الارتقاء بمؤسساتهم.. وفي هذا ضرب لصورة الأكاديمي الذي يفترض أن يكون القدوة.
ربما كان الطويسي مطلعا على قرارات عدة جامعات بإعفاء "عمداء" من مواقعهم لاعتقادهم أنهم "محسوبون على الادارة السابقة"، أو استقالة عميد جامعة بعد اكتشافه وجود تلاعب في علامات ابنة رئيس الجامعة مثلا التي تدرس في كلّيته وتصفية الرئيس للمبلغين عن القضية، أو لأسباب أخرى لا يمكننا وصفها بالمهنية.. لكنّ المؤسف أن لا نرى أي اجراء أو تدخل من قبل مجلس التعليم العالي لتصويب الأوضاع في هذه الجامعة أو تلك بحجة "استقلالية قرار الجامعات".
ولا شكّ أن الوزير الطويسي قد اطلع على الأنباء التي تتحدث عن تعيين رئيس جامعة 18 مدرسا في إحدى كليات الجامعة وبشكل مثير للريبة وزائدا عن الحدّ الذي تطلبه هيئة الاعتماد، متذرعا بكونه يعمل لتطوير تلك الكلية.
الطويسي المسؤول الأول
وعودة على بدء، لا بدّ من التأكيد على مسؤولية الطويسي عن كلّ ما يشهده التعليم العالي من مظاهر تداع، فهو الوزير المطلّع والعالم بكلّ ما يعانيه القطاع -أو هذا ما يفترض به أن يكون- وتقع عليه مسؤولية الاصلاح الجريء.
مؤسف أن تكون جرأة وزراء التعليم العالي على جيب الطالب والمواطن الفقير وحسب، بينما نراهم "مسالمين" أمام رؤساء الجامعات بزعم "محاولة عدم كسب أعداء"، غير آبهين بمصلحة تلك المؤسسات الوطنية وما يتهددها من مخاطر قد تؤدي لانهيارها لا سمح الله.