بانتظار ما هو أسوأ...!!
حسين الرواشدة
جو 24 :
هل سيعود الربيع العربي من جديد؟
تحتاج الإجابة الى مسألتين: الأولى ان "الانفجار” الذي حدث في عالمنا العربي وما يتبعه من ارتدادات كانت نتيجة طبيعية لتراكمات من الفشل والإحباط والخيبات التي دفعت المواطن العربي للبحث عن "التغيير” او – إن شئت الدقة – لهدم كل شيء قائم وبناء واقع جديد، وهذه الأسباب والشروط الموضوعية التي أفرزت حالة "الاحتجاج” لم تتغير، بل ان الأوضاع ازدادت سوءاً، سواء في المجال السياسي حيث المزيد من القمع والاستبداد وتقييد الحريات وتعطل حركة "الحياة” السياسية او في المجال الاقتصادي حيث تراجع مستوى المعيشة وتصاعدت ارقام الفقر والبطالة وتضخمت المديونات، او في المجال الاجتماعي الذي تعرض لإصابات فادحة على صعيد قيم الناس واخلاقهم ومبادئهم ايضاً.
أما المسألة الأخرى فهي ان هذه الاحتجاجات التي تم اجهاضها بصورة او بأخرى، تحولت الى حروب وصراعات، ليس فقط في إطار الدولة الواحدة وانما امتدت الى الملّة الواحدة ثم الى الدول الكبار التي أصبحت لاعبا مهماً في حلبة الصراع، ثم تحولت هذه الاحتجاجات الى "تنظيمات” مسلحة اختطفت لافتة "التغيير” وأصبحت عبئاً على الشعوب والأنظمة ايضاً.
افرازات الربيع العربي، بشكل عام، كانت صادمة ومفاجئة، لدرجة ان الذين كانوا مع هذه الحركة الشعبية العفوية يتمنون الان لو عادت عقارب الساعة للوراء، لكن هذه الانطباعات لا تنم عن حالة وعي تام، وانما عن انعكاس سريع في المزاج العام، وهو مفهوم -بالطبع- في إطار ما جرى للإنسان العربي من انتكاسات بعد أن راهن على انبعاث التغيير من داخل المجتمع وتوقع ان يسير في الاتجاه المطلوب.
هنا لا بدّ ان نتوقف أمام ما حدث من مراجعات داخل الذات العربية التي يبدو انها اقتنعت بفشل التجربة، لكنها لم تستلم ( في تقديري) لهذا الفشل، اول هذه المراجعات تتعلق بعنوان "السلمية” التي اتسمت بها الاحتجاجات مقابل "الدموية” التي ووجهت بها، وثانيها تتعلق بانتصار الخوف داخل المواطن العربي على الرغبة في التغيير، وثالثها انسحاب "الرأس” الذي يمثله النخب السياسية والفكرية من المشهد وترك الجسد الذي يمثله الناس وحده في الميدان، ورابعها تشكل تحالفات داخل البيت العربي لمواجهة أي محاولة لتكرار الربيع العربي، بل وقطع الجذور والامتدادات التي يمكن ان تغذيه او تساعده خارج العالم العربي ايضاً،اماالمراجعة الخامسة فهي دخول القوى الإقليمية الكبرى لملعب الصراع الدائر في المنطقة وهذ القوى وجدت فيما حدث مناسبة "لابتلاع” العرب او تقسيمهم على الأقل، ثم تمرير مشاريع نفوذها ومصالحها على حساب "الرجل” العربي المريض، لا أتحدث عن إيران فقط، وانما عن تركيا وإسرائيل ايضاً، ثم ما حدث على صعيد العلاقات العربية التي تحولت الى "أدوات” لإدامة الصراع وتكريس الواقع البائس، ثم أيضاً ما حدث على صعيد التحولات التي جرت على الصعيد الدولي ( روسيا وامريكا تحديداً) في سياق ترتيب الأولويات والمصالح او تقاسم مناطق النفوذ والمكاسب.
حين يدقق المواطن العربي في كل هذه العوامل التي تشكل أساساُ لأية مراجعات يمكن ان يفكر بها، ثم يفتح خرائط الواقع التي يتابع تفاصيلها، سواء في مصر وما تشهده من صراعات داخلية بعد قضية الجزيرتين، او في المغرب حيث تصاعدت احتجاجات الأرياف، او في البلدان العربية الأخرى التي تشهد صراعات دموية، لابدّ وانه سيكتشف مسألتين: الأولى هي ان عقارب التاريخ لا يمكن ان تعود للوراء، وبالتالي فإن ما اطلقه الربيع العربي في جولته الأولى لم يتوقف وانما تصاعد، وبالتالي فالشعوب لم تستسلم لما توقفت عنده الأوضاع، وان كانت ما زالت مسكونة بالخوف والانتظار، لكنها مع ذلك لم تطرد حلم التغيير من داخلها، بل وربما أصبحت اكثر اصراراً عليه.
المسألة الأخرى هي ان هذه الشعوب، رغم ما أصابها من خذلان وانكسارات، أصبحت واثقة بأن "كلفة” أي تغيير ستكون باهضه، وأكثر بكثير مما دفعته في السنوات الستة الماضية، وبالتالي فهي كما يبدو مستعدة لذلك، لكن هذا الاستعداد لم ينضج بعد، وربما يحتاج الى سنوت قادمة أطول.
هنا يمكن ان نصل الى نتيجة واحدة، وهي ان حركة "ماكينة” الشعوب العربية التي تحركت بعد عقود طويلة من الصمت والانتظار لا يمكن ان تتوقف عندما حدث، مهما كان كارثياً، ولكنها ستستمر في الدوران ولو ببطء، وستحاول ان "تلد” ربيعاً جديداً لكن بمواصفات أخرى مختلفة، ربما سيكون ربيعاً دموياً، وربما سيكمل دورته في بلدان لم تشهد هذا الربيع من قبل ، المؤكد ان صفحة التغيير في العالم العربي لم تغلق بعد، ومهما حاول البعض شطبها او تمزيقها من الذاكرة والواقع فإن استدعاءها في لحظة ما سيكون هو الحقيقة الصادمة حتى وان كانت الأسوأ .-(الدستور)