أزمة قطر: ابتزاز دولي وسيناريوهات
د. حسن البراري
جو 24 :
شكل موقف الرئيس دونالد ترامب محركا رئيسيا في مسار الأزمة الخليجية المتصاعدة إذ تحولت واشنطن إلى ضلع هام في مثلث هذه الأزمة التي تمتلك واشنطن مفاتيح حلها، والحق أن طرفيّ الأزمة دخلا في سباق محموم لنيل رضا البيت الأبيض وبات كل طرف يستنطق أي تصريح يصدر هنا أو هناك وينزع أي جملة من سياقها من أجل كسب نقطة هنا وأخرى هناك في حرب اعلامية تستحضر حلقات مملة من ملحمة جزيرة العرب في البسوس وداحس والغبراء.
ويدرك طرفا الأزمة أن واشنطن لن تسمح بخيار عسكري – على المدى المنظور – وأن المنازلة ستنتهي بالفوز لاحد الاطرف بالنقاط أو ربما تقرر واشنطن ننتيجة التعادل (win-win)، اما امكانية الضربة الفنية القاضية فهو سيناريو مستبعد إلا إذا تواطئت واشنطن مع التحالف المناهض لقطر وهو تحالف يمتلك الامكانات العسكرية الهائلة قياسا بقطر.
هناك نظريتان سائدتان في تفسير تصاعد الأزمة بهذا الشكل، النظرية الأولى تفيد بأن الرئيس ترامب يريد أن يحلب دول الخليج كما توعّد خلال حملته الانتخابية عندما كان يقول أن على دول الخليج أن تدفع لأمريكا لقاء حماية الاخيرة لها على مدار عقود، بمعنى أن واشنطن تستمثر في انكشاف الخليج الاستراتيجي وعدم قدرة دوله مجتمعة على تحقيق أي انتصار في كل الأزمات الاقليمية التي ساهت بها أو افتعلتها وسخرت من اجل ذلك المليارات وماكنتها الاعلامية التي تحولت اثناء الازمة الى بوق دعاية، فتضخيم الخطر الإيراني شكل كابوسا لعبت عليه امريكا من اجل جلب مئات المليارات من السعودية، والآن جاء الدور على قطر التي ربما (وتحت الضغط الخليجي الذي بات مقلقا لصناع القرار في قطر) ترى أن الخروج من عنق الزجاجة الخليجية يستلزم أيضا نيل رضى واشنطن وهذا يستلزم استثمارا بمبالغ طائلة.
النظرية الثانية والأخطر بتقديري هي أن امريكا هي اللاعب الأقوى الذي يمسك بخيوط اللعبة برمتها من خلف الكواليس لإنضاج حالة تسمح باعادة رسم المنطقة بشكل يتوافق مع مصالحها وخدمة لأمن وتوسع إسرائيل، ويبدو أن نظرية وزير خارجية رونالد ريغان في الفترة الأولى الكساندر هيغ في "الاجماع الاستراتيجي" سترى النور من جديد، ففي تلك الفترة قدم السيد هيغ فكرة أن على الدول العربية التحالف مع اسرائيل لدحر إيران. والآن هناك اصوات كثيرة تنادي بالتطبيع مع إسرائيل توطئة لتشكيل تحالف يمكن له لجم إيران. وحتى يتم تشكيل هذا التحالف لا بد من ازالة بعض العوائق مثل تنظيم الاخوان المسلمين وقناة الجزيرة التي يتهمها خصومها بأنها قناة اخوانية بامتياز، فالمواجهات القادمة قد تستلزم اعدام الشهود وهنا الاصرار على اغلاق قناة الجزيرة أو على الاقل تغيير خطها الاعلامي وطرد طاقمها الاخواني. وبناء على هذا الفهم دخلت الامارات بقوة على غزة من خلال تفاهم يجري اعداده على نار هادئة بين محمد دحلان وحماس، طبعا مصر السيسي ليست بعيده عن هذا السيناريو الذي سيعمل على احداث تغيير في اولويات حماس في قادم الايام. وتدرك حماس تماما بأن قطر لن تنقذها وأن قناة الجزيرة قد لا يكون بوسعها خلق رأي عربي مساند لها في حالة نجحت الدول المناهضة لقطر في فرض شروطها، من هنا ومن منطلق براغماتي تستجيب حماس وبشكل استباقي لمتطلبات البقاء السياسي.
وبعيدا عن نظريتي الابتزاز من جانب واعادة رسم خطوط الصراع من جانب آخر، أرى أن الأزمة ليست عصية على الحل، فالمطالب الثلاثة عشر وضعت بطريقة الحد الاقصى لكن يمكن التراجع عن بعضها والتخفيف من البعض الآخر ما يضمن التوصل إلى اتفاق باشراف دولي حتى تكون هناك اليات للمراقبة. فكل عناصر الحل متوفر خليجيا وبخاصة بعد فشل طرفي الازمة في تدويلها أو جلب مؤيدين لهما، فبعد أن تنتهي مهلة العشر أيام سيكون العالم أمام خيار استمرار الحصار أو المقاطعة (كل طرف يسميه كما يشاء) لفترة طويلة وربما تلجأ الدول المناهضة لقطر إلى فرض عقوبات اضافية لتضييق الخناق على الدوحة ودفعها إلى التراجع عن موقفها "المتمرد" والعودة إلى الحضن الخليجي. ليس واضحا لغاية كتابة هذه السطور فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستسمح بعمل عسكري محدود لخلط الاوراق والحسابات.
ويبدو جليا أن الكويت لن تتمكن من التوسط لأنها لا تملك أي تاثير على طرفي الصراع، غير أن دور الكويت يقتصر على نقل الرسائل والطلبات والردود، وهنا يأتي الدور الامريكي في استقبال الردود من طرفي الازمة من خلال الكويت ثم التقدم بمبادرة حل متوازنة تلبي بعضا من مطالب الدول الخليجية وتعفي قطر من البعض، وعندئذ لا يمكن لطرفي الصراع التمرد على رغبة واشنطن التي يعترف العالم لها بأن الخليج هو ملف امريكي بامتياز ولا يمكن لاحد ان يزاحمها هناك بالرغم من الصوت العالي لاردوغان.