2024-12-04 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

اللواء انور عشقي والخيار الأردني

د. حسن البراري
جو 24 :
أثار شكوكي عندما التقيته على هامش مؤتمر في اسطنبول عام 2012، فالرجل مُقل بالكلام ويستمع أكثر بكثير مما يتحدث، والأنكى أنه لا يتحدث الا عندما يلتفت يمينا ثم يسارا واحيانا يدور برأسه للخلف، عرفت حينها أن الرجل مرتبط بجهاز المخابرات في بلاده، فمثلي لا يخف عليه رجال المخابرات ولا حتى المخبرين، ربما تجربتي وفي أكثر من بلد زودتني بقرون استشعار وغالبا ما يكون ظني في مكانه. وبالعموم لا ارتاح للمخبرين المخادعين والمراوغين والباطنيين، لذلك تجنبت الرجل في اسطنبول لكنني استمعت اليه جيداً عندما جاء دوره لتقديم ورقته. وبصراحة لم يكن متحدثا لبقاً، على العكس من البرفسور الايراني ناصر (نسيب اسم العائلة) الذي كان معه في نفس الجلسة، فناصر كان حيويا ومتحدثا يعرف كيف يبدأ ومتى يتوقف بالرغم من اختلافي معه وأذكر أن الجلسة تحولت إلى جدل كبير بيني وبينه.

على العشاء في مطعم متواضع بالقرب من دوار تقسيم الشهير، جلس بجانبي الايراني ناصر وكان يناقشني بورقتي التي قدمتها عصر ذلك اليوم، عاتبني على ما اسماه هجومي على الدور الإيراني في المنطقة وقال لي بصوت دافئ "لا يعقل أن يكون هناك شخص بذكائك يا حسن ويصدق حكاية الفرز الطائفي بين السنة الشيعة"، غير أنني شرحت له كيف قامت إيران بتطييف علاقاتها خدمة لمصالحها كما تراها النخب الحاكمة وأن هناك توظيفا طائفيا لا يمكن لإيران اخفاؤه. فجأة غيّر ناصر الموضوع، وسألني عن الجنرال انور عشقي ولماذا يجالس أحد المشاركين بالمؤتمر من إسرائيل، على ما أظن كان داني شفتان، والأخير كتب كتابا عن الخيار الاردني باللغة العبرية في عام 1986 ولم يترجم للأسف. قلت له لا أعرف وان بإمكانه توجيه السؤال له. على كل في اليوم التالي شاهدت ناصر مع دان شفتان يتناولان الافطار في الفندق!

لم اسمع بأنور عشقي بعد ذلك كثيراً، وكل ما أعرفه عنه من خلال متابعة الصحف العبرية التي تتحدث عنه من حين لآخر على اعتبار أنه نموذج الشخص العربي المنفتح والذي يحمل مشروعا لصالح بلاده. لا أعرف كم كان أثر دان شفتان صاحب كتاب الخيار الأردني على أفكار أنور عشقي الذي بات يؤمن بصيغة قريبة من الخيار الأردني كحل للصراع بين الفلسطينيين واسرائيل.

ففي مقابلة مع قناة دوتشيه فيله الالمانية قبل يومين، تحدث رجل الاستخبارات السعودي الجنرال المتقاعد أنور عشقي عن رأيه في حل الصراع، وهو بطبيعة الحال لا يعبر عن رأي شخصي وإنما عن افكار ربما تتداولها النخب الحاكمة في الرياض. يتناقض الرجل في حديثه فهو يقول بأن التطبيع مع إسرائيل ممكن لكن بعد أن تنفذ إسرائيل مبادرة السلام العربية، والمفارقة أن الرجل يطبع مع إسرائيل ويزورها علانيةً حتى قبل ان تقبل اسرائيل بمبادرة السلام العربية!!! طبعا مبادرة السلام العربية تنص على اقامة دولة فلسطينية "مستقلة"، ومع ذلك يتابع انور عشقي بالقول أنه يتعين أن تكون هناك "كونفدرالية" دون أن يذكر اسم الأردن لكن السياق واضح. المقابلة التي تحدث بها أنور عشقي أكدت لي انطباعي عنه في اسطنبول بانه ليس متحدثا لبقا ولا يفهم كثيرا ما يقول وإلا لما وقع في تناقض في جملتين متتاليتين مرتين.

وحتى نضع أنور عشقي وكلامه في سياقه الصحيح علينا أن نعود للخلف قليلا، فالجانب الإسرائيلي رفض مبادرة السلام العربية، وهي مبادرة اقترحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد السعودي بعد ان قام الكاتب الأمريكي اليهودي توماس فريدمان من صحيفة النيويورك تايمز بزيارته في مزرعته ونصحه بتقديم مبادرة حتى يخف الضغط على السعودية بعد أن قام خمسة عشر رجلا من السعودية بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. والتيار السائد الآن في إسرائيل يؤمن بأن الشمس قد غابت على حل الدولتين وأن الفرصة الوحيدة المتاحة هي الحل الاقليمي، وهو أمر كتب عنه غيورا ايلاند – مستشار الأمن القومي الاسرائيلي الاسبق. الحل الاقليمي باختصار يتحدث عن دولة في غزة تتوسع على حساب سيناء المصرية مقابل تنازل إسرائيل عن نسبة قليلة لصالح مصر في صحراء النقب، وفي الوقت ذاته تحتفظ اسرائيل بأراض شاسعة من اراض الضفة الغربية وتحتفظ بالقدس ثم تقوم كونفدرالية اردنية فلسطينية بين دولة الأردن وما تبقى من اشلاء الضفة الغربية والسكان طبعا.

كلام سهل ويمكن للأردن أن يدوي بكلمة "لا" بمليء فمه! لكن الأمر اكثر تعقيدا من قول كلمة لا بكثير، فالترتيب السعودي المصري المرتبط بتيران وصنافير وعودة محمد دحلان المنتظرة لقطاع غزة تضيّقان من هامش المناورة لدى الأردن، ناهيك عن نية الرئيس دونالد ترامب المساهمة في حل الصراع وفقا لهذه الرؤية وهو ما يؤكده الكثير من المقربين منه وتكتب عنه الصحف العبرية باستمرار.

ما أريد أن اقوله بأن كلمات أنور عشقي ينبغي ان تدق ناقوس الخطر في عمان، فهذا الرجل وإن كان لا يصنع قرارا إلا أنه يفشي اسرارا ويعكس تفكيرا سائدا عند عواصم قوية وبخاصة الرياض التي باتت ترى بإسرائيل خير حليف في سعيها لخلق ميزان قوى جديد يحجم من الدور المتنامي لإيران في المنطقة. ويبدو أننا نعيش في عصر اعادة رسم خطوط الصراع في الشرق الأوسط ما يستلزم تبدل التحالفات والراهن أن إسرائيل لن تنضم لحلف ما دون أن تقبض الثمن، فمن هو كبش الفداء؟ أنصح الأردنيين بالتوقف عند مقولات أنور عشقي فهو لا ينطق عن الهوى!


اقرأ أيضا:

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير