التعاون الاردني الاسرائيلي في سوريا
د. حسن البراري
جو 24 :
ما زالت الاجواء ملبدة بغيوم عدم التيقن بعد أن أعلن رئيس وزراء إسرائيل بأن بلاده تعارض اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، ولا يبدو أن تطمينات الرئيس بوتين لنتنياهو (بأن الاتفاق أخذ بالحسبان التفاهم مع إسرائيل ومصالحها) سيقنعه، ما يعني أن نتنياهو قد يلعب دور المفسد
Spoiler في قادم الأيام الأمر الذي من شأنه أن يخلط الأوراق مرة أخرى. وتخشى إسرائيل أن الاتفاق يؤسس لحالة من الوجود الإيراني ستغير من اللعبة برمتها Game Changer وهو أمر سيطرح تحديات جديدة على إسرئيل ما يدفعها إلى تطوير استراتيجيتها الأمنية والعسكرية ويرفع من موازنة الدفاع وهو أمر لا يمكن لإسرائيل أن تتحمله لوقت طويل.
وبالفعل وضع مكتب نتنياهو ثلاثة خطوط حمراء هي: أولا، ابعاد إيران ومليشياتها الشيعية عن الجولان، ثانيا، عدم التسامح مع أي وجود عسكري لإيران في سوريا، وأخيرا، منع حزب الله من الحصول على أسلحة كاسرة للتوازن على شكل صواريخ موجهة بالغة الدقة. ويرى الجانب الإسرائيلي أن هناك تطابقا بين وجهتي النظر الإسرائيلية والاردنية بشأن دور إيران ومليشياتها في الجنوب السوري. فالشراكة الامنية بين الاردن واسرائيل تعمقت بعد أن توصل الجانبان إلى اتفاق حول إيران وداعش كمصدري للتهديد المشترك.
في مؤتمر هرتسليا الأخير قدم بعض الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين قراءات مختلفة لكن هناك اجماع عل شكل البيئة الاستراتيجية بعد انتهاء الحرب في سوريا، فالولايات المتحدة ستنسحب من سوريا بعد تحرير الرقة وطرد داعش، والأخطر بالنسبة لهم هو أن إيران ستتمكن في نهاية الأمر من ملئ الفراغ في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية، وحذر الاسرائيليون من أن إيران في هذه الحالة ستقيم جسراً برياً يصل بين إيران ولبنان وما يعنيه ذلك من تحديات أمنية واستراتيجية لم تعرفها إسرائيل من قبل. فالجسرالبري وفقا للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (المعروفة باسمر أمان) سيغير من قواعد اللعبة برمتها وهو أمر لا ينبغي – وفقا لرئيس الاستخبارات العسكرية اللواء هرتي هليفي – أن تقبل به إسرائيل تحت أي ظرف.
في مقال تفصيلي نشر قبل يومين في موقع بوليتيكو الامريكي يقول الباحث الشهير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد ماكافسكي الذي عاد للتو من زيارة لإسرائيل بأن نتنياهو تعلم من تجربة حرب عام ٢٠٠٦ وكيف قضت تلك الحرب على مستقبل أولمرت السياسي، وهو أي نتنياهو المسكون بهاجس البقاء السياسي لا يحبذ أخذ المخاطر وبخاصة مع معرفته بأن مقدرة إسرائيل على حسم الأمور بأتت أقل من السابق بسبب تعقد وتعدد جبهات القتال في سوريا. فإسرائيل بقيادة نتنياهو التزمت مقاربة دفاعية تقوم على الرد والضربات الاستباقية، وبالفعل قامت اسرائيل بضرب ارتال الشاحنات التي كانت تعتقد بانها تحمل اسلحة كاسرة للتوازن إلى حزب الله وقامت بشن عمليات نوعية لتنفيذ اغتيالات، وخلال الست سنوات الاخيرة قامت اسرائيل بهجمات اعتدت بها على سوريا أكثر من أربعين مرة.
وإسرائيل التي اكتوت بنيران الدور الإيراني في لبنان دقت ناقوس الخطر بعد أن انقلبت الأمور في سوريا وقاربت الحرب الاهلية على التوقف، في الجنوب السوري ستعمل إسرائيل بالتفاهم مع الأردن بوضع العصا في دولاب الجهود الايرانية الرامية إلى اقامة جسر بري ايراني، وستعمل ما في وسعها للضغط على الادارة الامريكية لابقاء قواتها في سوريا حتى لا تتورط إسرائيل في حرب مباشرة مع إيران.
وإذا فشلت هذه المقاربة ستعمل اسرائيل على تحسين علاقاتها مع الجوار بشكل عام وهي تفاخر بأنها قدمت مساعدات للثوار وقامت بعلاج بعض المصابين في مستشفياتها المتطورة، وربما تلجأ إلى خلق منطقة عازلة لترتيبات ما بعد المرحلة الاهلية وذلك بالاعتماد على الدروز في الجولان. لم تحدد إسرائيل بعد شكل التعاون الامني مع الاردن في الجنوب السوري ولم نسمع من الجانب الاردني ما يفيد أن هناك تطابقا بين وجهتي النظر الاردنية الاسرائيلية مع أن مجريات الأمور والحاجات الجيوسياسية الاردنية ترجح فكرة أن تتعاون الأردن مع إسرائيل لكن في نطاق يخدم مصالح الأردن الجيوسياسية. وهناك طبعا حدود لمستوى التعاون مع إسرائيل، فإذا تمكنت إيران من اكمال بناء مصانع تحت الارض في لبنان لانتاج صواريخ موجهة يمكنها من دك تل أبيب فعندها ستكون مشكلة إسرائيلية بحتة لا يمكن لأي تعاون أردني إسرائيلي أن يتصدى لها، في هذه الحالة ستبحث إسرائيل عن خيارات أخرى بعيدة عن الأردن.
بكلمة، يبدو أن لحظة الحقيقة بالنسبة لإسرائيل قد دنت، فالأزمة السورية التي امتدت لسنوات ست عجاف شارفت على الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تغير من شكل التحالفات وبخاصة مع انكافاء دول الخليج في أزمتها وانتصار إيران على هذه الدول في سوريا وخسارة تركيا في سوريا. ربما لا تعنينا في الاردن مشاكل إسرائيل الامنية لكن أيضا حدد صنّاع القرار بالاردن مصالح الأردن وعرفوها في الجنوب السوري، وهو تعريف وإن التقى بعض الشيء مع المصالح الاسرائيلية علينا أن لا نغفل بأن إسرائيل هي المصدر الرئيس للتهديد للأردن وأن أي تعامل معها يتعين أن يكون تكتيكياً مع وجود خطة بديلة في أدراج صنّاع القرار بعمان.