أوضح من شمس تموز !!
في التاريخ لحظات لا تقبل الحياد، ويصبح الصمت فيها اقرب الى التواطؤ؛ لأنه يضاف الى المعتدي على حساب المعتدى عليه، لهذا خسر فلاسفة ومثقفون في مختلف القارات الى الأبد فرصة الشهادة على الاقل، وما يجري في القدس الآن ساطع في وضوحه، اكثر من شمس تموز ولا مجال لأي التباس او سوء فهم، وما من منطقة رمادية بين القاتل والقتيل، والمسألة ليست مجرد البحث عن صيغة تجسّد ما يسمى في ادبياتنا الاسلامية اضعف الايمان، وما كان للانتهاك ان يبلغ هذا الحد لولا تحالف الصمت واللامبالاة مع الطغيان، وكأن ردود الافعال باتت محسوبة مُسبقا ولها درجة حرارة او بمعنى ادق درحة برودة لا تُغادرها ! ولولا ذلك لما تجرأ القاتل على التنكيل بالضحية، وحين تغيب الروادع القانونية والكوابح الاخلاقية يصبح كل شيء مباحا ومتاحا كما قال ديستويفسكي، فأين هو الحدّ الادنى من هذه الروادع والكوابح الآن ؟ ام ان العدالة تنعم في عطلة طويلة تاركة المجال كله لمن حولوا ظلم الاخرين الى استحقاق، وشرعنوا كل ما حرّمت الاعراف والنواميس والعقائد .
وقد يكون المقدسيون بالتحديد يشعرون بالوحدة بل بالوحشة تحت سماء عارية الا من غربان الحديد، لكن الانسان متعدد في وحدته ويصبح كثيرا عندما يستدعي كل ما لديه من احتياطيات نفسية وذهنية وجسدية، تبعا لجدلية الفعل ورد الفعل والتحدي والاستجابة .ان الامتياز التراجيدي لهذه اللحظة المقدسية ليس في الدم وحده، بل في أعسر اختبار قومي وانساني، ومن يرسب في هذا الاختبار لن يصحو من سباته حتى النهاية .
نعرف جيدا ان موروث المواعظ وبلاغة الخطاب الموسمي لن يكون لهما تأثير ميداني؛ لأن هناك معارك تفرض اسلحتها وادواتها وثقافتها ايضا .ان تصعيد الصمت واللامبالاة مقابل تصعيد انتهاكي وسطو مسلح هو مفارقة عصرنا !!