الاعتداء على سيادة الأردن
د. حسن البراري
جو 24 :
ليست المرة الأولى التي لم تستبطن بها السفارة الإسرائيلية بعمان بأن اقامة علاقات دبلوماسية مع الاردن يستلزم احترام السفارة ومن يعمل بها ومن تستضيفهم للسيادة الأردنية ومنها عدم ارتكاب جرائم، ولعلنا نستذكر كيف حاول الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع السفارة الاسرائيلية قتل خالد مشعل في عام 1997 وكيف انتفض الراحل الكبير الحسين بن طلال لما اعتبره طعنة في الظهر، ولعلنا نستذكر أيضا كيف قام الملك حسين بعصر نتنياهو وتوبيخه إذ قام الاخير بدفع كلفة هائلة على رأسها اطلاق سراح أحمد ياسين وتزويد الاردن بترياق انقذ به حياة خالد مشعل وانهاء خدمات رئيس الموساد داني ياتوم، وكانت حجة الملك في ذلك (كما يكشف احد مدراء الموساد افرايم هليفي في كتابه المعنون ب رجل في الظلال) أن على الجانب الإسرائيلي أن يدفع ثمنا باهظا لانتهاك سيادة الأردن، وبالفعل كتب في حينها اول سفير اسرائيل في عمان البرفسور شمعون شامير بأن اسرائيل اخطأت لأنها لم تستوعب معنى السلام وضرورة احترام سيادة الأردن.
لن أقلل من شأن ما قام به الحارس الأمني الإسرائيلي، فهو من دون شك قام بارتكاب جريمة قتل مواطنين أردنيين، لكن المنطق يقول أن هناك جريمة قتل وقعت على الارض الأردنية وعليه فإن الجاني يجب أن يحاكم وفقا للقانون الأردني. نتنياهو اتصل مع القاتل ووعده بأنه سيطلق سراحه لأن بلاده لها تجربة سابقة في ذلك! لا أعرف عن أي تجربة يتحدث لكنني لا اعتقد بأن تقبل حكومة هاني الملقي أن يسلم القاتل لإسرائيل ودماء الأردنيين ما زالت لم تجف، فالحكومة الأردنية ستعمل – أو هكذا يفترض – على الاستناد إلى حقيقة أننا في الاردن دولة مؤسسات وقانون وهذا يفرض سلوكا معينا على الحكومة الاردنية، فهاني الملقي الذي عليه ان يعترف أن اسرائيل انتهكت السيادة الأردنية لا ينبغي أن يمتثل لأي كان إذا طلب تسليم الجاني لإسرائيل، بمعنى يجب أن لا تنتهك السيادة الاردنية مرتين.
يأتي هذا الاعتداء الأخير على السيادة الأردنية في خضم جدل وطني محتدم على خلفية محاكمة الوكيل معارك أبو تايه، فالأخير الذي أصر بأنه قام بواجبه وفقا لقواعد الاشتباك المعمول بها حُكم عليه حكما قاسيا وفقا للكثيرين في الأردن، ويجادل الكثيرون في الاردن أن الحكم كان سياسيا وقاسيا لإرضاء الولايات المتحدة في حين طالب آخرون بتقليده وساما على شجاعته في الاقتتال مع الامريكان بدلا من زجه في السجن. والأخطر أن الحكم على الوكيل معارك أبو تايه جاء ليعزز الفجوة في الثقة بين الحكومة والشارع، فالأخير اكتوى بنيران ضعف الحكومة وعدم صدقية رواياتها المرتبكة والمتناقضة، وعليه فإن الحكومات الأردنية المتعاقبة سحبت من رصيد الثقة الشعبي في مؤسسات الحكم وبتقديري هنا مكمن الخطورة.
على أن ذلك لا يعني أن الوضع غير قابل للتغير، فلو اظهر الأردن صلابة في الموقف ضد الصلف الإسرائيلي وقام بمحاكمة الحارس الأمني وفقا للقانون الأردني لربما قلص فجوة الثقة المتنامية ولساعد على رفع معنويات الشعب الذي ما زال يعاني من حالة من الاحباط نتيجة لعجز الحكومات الأردنية في الوقوف في وجه الاستخفاف الإسرائيلي بالأردن وسيادته.