لكيلا نقع في «فخّ» الاشتباكات المغشوشة!
أرجو ألا تأخذنا القراءات العاجلة الى استنتاجات متسرعة أو قرارات خاطئة، فأسوأ ما يمكن ان نفعله هو استدعاء مبررات “الاستعداء” والصدام بدل البحث عن إمكانيات اللقاء وموجبات التوافق وسيناريوهات الحل.
التحذير هنا واجب لكل الذين يفكرون “بإشعال” الحرائق السياسية، سواء من جهة بعض المسؤولين الذين “يتبنون” خطاب “العزل” السياسي لكل من يعارضهم أو من جهة بعض النخب المعارضة التي تحاول أن ترد الصاع صاعين باستخدام “لهجة” استفزازية وخطاب تصعيدي وكأننا في ساحة “نزال” يبحث فيها كل طرف عن انتصار يسجله باسمه فيما لا يهمه اذا ما خرج البلد خاسرا بامتياز.
لا أخفي أنني رصدت على مدى الأيام الماضية مثل هذه المحاولات لإيجاد حالة من “الصدام” داخل المجتمع، بعضها اعتمد على منطق اخراج المعارضة و” الإسلاميين تحديدا” من اللعبة ودفعهم الى الجدار بحجة ان خيار المواجهة مع الاسلاميين اصبح خيارا دوليا واقليميا فلم لا يكون خيارا داخليا، ووفق هذا السيناريو بدأ “التجييش” ضد هؤلاء بتهمة انهم رفضوا ما قدم اليهم من عروض سياسية وانهم يستعدون “لإفشال” الموسم الانتخابي، وسواء اتفقنا مع مروجي هذه التهم أم لا من ناحية صحتها ودقتها، فقد كان من المفترض ان ننتظر افعال هؤلاء قبل ان نحكم عليهم، والأهم ان نفتح معهم النقاش قبل ان نبادرهم بالهجوم وفرض القطيعة.
على الطرف الآخر، وقع البعض في هذا “الفخ” فسمعنا كلاما من احد القيادات الاسلامية وبعض اقطاب المعارضة الاخرى لا ينمّ عن “حكمة” سواء على صعيد “الانتخابات” وافشالها او على صعيد قبول خيار التحدي مع الدولة والتحذير من كلفته، ومع ان هذا الخطاب لا يمثل - كما اعتقد - وجهة نظر “الجماعة” ولا المعارضة عموما إلاّ انه يعكس “نفسا” استفزازيا ويعبر عن رغبة في “الصدام” وهذا ما لا يقبله احد.
من واجبنا ان نذكر هنا بعدد من البديهيات، أولاها ان العلاقة بين الدولة والإخوان المسلمين تتميز بـ”توافقات” غير مكتوبة، نعرفها تماما، وهي بالتالي لا تخضع لمعادلات “الثورة المضادة” التي تجري في الاقليم ضد “الاسلاميين” كما ان الاردن لا يمكن ان يدخل في مثل هذه التحالفات نظرا لخصوصيته السياسية اولا ولطبيعة علاقة الدولة بمكوناتها المختلفة، ومنهم الاخوان.
اما ثاني هذه البديهيات فهي ان الذهاب الى سيناريو “عزل” المعارضة بعيدا عن “الاستجابة” لمطالب الشارع الاساسية، سيكون محكوما عليه بالفشل، لا لأن المعارضة تمتلك ادوات نفوذ يمكنها من الاستمرار والتأثير، بل لأن “المناخات” الشعبية ما زالت قلقة ومضطربة وباتجاه الاقتناع والثقة بما وصلها من رسائل، وبالتالي فإن المطلوب هو البحث عن خيار “الحوار” مع الجميل بدل خيار فرض “العزلة” او الاقصاء على اي طرف.
البديهية الثالثة هي اننا امام استحقاقات سياسية جديدة يفترض ألا نتعامل معها بمنطق الاسترضاء والتقسيط ناهيك عن منطق “المفاصلة” والتحدي والمكاسرة، فبلدنا لا يحتمل مثل تلك المعادلات الخطرة، والمرحلة التي تمر بها المنطقة يفترض ان تقدم لنا دروسا في “طبيعة” الصراعات وخطورة مآلاتها، كما ان الحفاظ على الدولة يجب ان يكون “مشتركا” للجميع وخطا أحمر لا يجوز العبث به لا من طرف الحكومات ولا المعارضة.
آخر هذه البديهيات هي ان قراءة الانتخابات وفق تصورات تقوم على اقتناص فرصة “تبادل” اللكمات وتسجيل الانتصارات وتقاذف الاتهامات والشماتات وهي قراءة مفضلة لدى البعض تبدو -في رأيي - قراءة مغشوشة ومسمومة، صحيح ان لكل طرف رهاناته السياسية المشروعة على الانتخابات، لكن الصحيح ايضا ان العبث بهذا “الاستحقاق” ايا كان شكله، او تجييره وتوظيفه خارج اصول “اللعبة” الديمقراطية سيكون خطيرا على الجميع، وهذا ما استوجب التنبيه والتحذير ايضا.
(الدستور )