اسلاميون... وعروبيون ايضا
لا يوجد بين الاسلام والعروبة تضاد او تناقض ، فقد نشأ الاسلام في قلب العروبة وافصح عن عبقريتها احسن افصاح ، ونزل على العرب اولا وبلسانهم ، وانتشر في العالمين بعزمهم ، كما جاءت في العربية آيات محكمات تذكرها بالذات ، وتشيد بها بالاسم.
واذا كان الاسلام دينا يتضمن قيما وفكرا وتشريعا ومنهجا ، فالعروبة حالة انسانية تنطلق من اللغة والتاريخ والتقاليد والعادات ، ولا مشكلة عندئذ في ان يكون المرء مسلما وعربيا في آن ، كما لا مشكلة ان يكون مسلما وحاملا لاية قومية اخرى ، فما يميز الاسلام انه اعترف بالتعددية والاختلاف واعتبرها فريضة وواجبا ، محرما في ذات الوقت التصادم بين دين المرء وقوميته او نسبه ، فالمسلم الجيد وطني جيد وقومي جيد.. وانسان جيد ايضا.
لكن ذلك لا يعني ان المسلمين فقهوا هذا الجانب ، او ان دعاة العروبة والقومية فهموه ايضا ، فقد بدأ الصدام في مراحل تاريخية مختلفة بين دعاة الشعوبية اوالقومية وبين دعاة الاسلمة ، ولم تكن المشكلة دفاعا عن الهوية ، فخطر الهوية مصدره كان دائما خارجيا ، لكن الانقسام جاء من خلفية محاولة ادلجة العروبة او القومية بعد ان استورد البعض مفاهيم من خارج الحدود ، او استغرقوا في العصبية التي انكرها الاسلام ، او جاءت ردودهم - كما فعل بعض الاسلاميين - على ممارسات ما انتهجتها بعض الانظمة التي حملت لواء القومية وجيشت قواها ضد الحركات الاسلامية ، ومن هنا بدأنا نسمع عن فكر اسلامي في مقابل فكر عروبي او قومي او عن ثنائيات جديدة لخصخصة الهوية ، فيما الحقيقة ان اي تهديد للهوية العروبية هو تهديد للهوية الاسلامية ، كما ان اي انجاز يصب في الدائرة الاسلامية يفضي بالنتيجة الى الدائرة العربية ايضا.
في القرآن الكريم عشرات الآيات التي تشير الى قيمة العربية ، كثقافة وحرف شريف ، والى التصاقها بالدين الاسلامي كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون وهذا لسان مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين .. الخ ، وفي السياقات التاريخية ايضا حقائق تشير الى هذا التماهي: فالعرب مثلوا مادة الاسلام وقوته البشرية والروحية فانتصر بهم وانتشر ، والاسلام ساهم بتغيير الواقع العربي وافرز قيما ونظما غيرت هذا المجتمع ، كما عزز الاسلام مفهوم الامة العربية وراعى غيرهم من الاجناس وحولهم الى امة واحدة بمفهوم انساني قل نظيره ، وعليه فالفصل بين العروبة والاسلام يتنافى مع ابسط قوانين تطور المجتمع العربي ونهضته.
اسلاميون ام قوميون ، لا فرق ، ما دام ان ذلك التنوع في اطار الدين الواحد والحضارة الواحدة والعقد الاجتماعي والانساني الذي دعا اليه الاسلام ، لكن الخوف يبدأ من التعصب و”الادلجة “، والطرح المتداول احيانا لاي من هذين المفهومين كبديل عن الاخر.. اما ما سوى ذلك فالعروبة والاسلام ، اطار وصورة ، يكملان بعضهما بعضا
(الدستور )