عن معضلة إسرائيل السورية
د. حسن البراري
جو 24 :
شدّد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الانتصار على داعش أمرٌ مرحبٌ به أما بقاء إيران في سوريا فهو غير ذلك. ويأتي هذا الموقفُ في خضم تبلور واقع جديد في سوريا إذ أن انحسار داعش وخسارتها الأرض يسمح لإيران وميليشياتها بالتمدد، وهو الأمر الذي بات مقلقًا بالنسبة لإسرائيل وفقًا لمدير الموساد يوسي كوهين.
وهذا يطرحُ سؤالًا مهمًا حول ما تريد إسرائيل تحقيقه في سوريا؟ وفي السياق أكدت مصادر عبرية على لسان نتنياهو بأن بلاده ستقوم بعملٍ عسكري إن تم تجاوز الخطوط الحمراء التي يحاول نتنياهو ترسيخها في سوريا، وظهر ذلك جليًا بعد أن استنبطت حكومة نتنياهو بأن الرئيس ترامب لم يأخذ مصالح إسرائيل بالحسبان عندما اتفق مع بوتين على هدنة الجنوب السوري.
تهديدات إسرائيل واضحة، فهي تخلقُ انطباعًا بأنها لن تسمح بأي حال من الأحوال لإيران بإقامة ممرها البري الذي يربط طهران بجنوب لبنان، وفي ذلك تهديدٌ واضح لكل من إيران وحزب الله والنظام السوري، فإسرائيل ترى أن الوجود الإيراني في سوريا يشكل خطرًا أمنيًا لا يمكن إغفاله وأن في ذلك تغييرًا كبيرًا لقواعد اللعبة. فالخط الأحمر البارز هو أن إسرائيل ستتصرف عسكريًا في حال عدم رغبة أو قدرة موسكو على لجم طهران في سوريا.
تاريخيًا، استندت السياسة الإسرائيلية الأمنية إلى خلق حالة من الردع، بمعنى رسم خطوط حمراء لخصومها والقيام بعمل عسكري كبير عندما لا تحترم هذه الخطوط، فإسرائيل تعتمد على معادلة رفع الكلفة على من يعبث بخطوطها الحمراء، غير أن قوة الردع تآكلت مع التغير الكبير في البيئة الإستراتيجية وظهور لاعبين أقل من دولة يفهمون لغة الكلفة والعائد بشكل مختلف عن الدول. ويضاف إلى ذلك تبلور ثقافة إستراتيجية إسرائيلية جديدة تعرّف النصر بشكل مختلف عن السابق، فخسارة إسرائيل لعدد كبير من الجنود ستطرح أسئلةً مختلفةً على قادة الجيش والحكومة لا يمكن لهم الإجابة عليها أمام جمهور إسرائيلي لم يعد يقوى على تحمل مزيد من الخسائر إلا إذا كان هناك اعتقاد كبير بأن تهديدًا وجوديًا بات يلوح في الأفق.
يتحقق الردع إن كانت الأطراف المعنية تأخذ بمعادلة الكلفة والعائد بمعناها التقليدي، لكن طرأ تغيير واضح على هذه المعادلة، لذلك تراجعت قدرة إسرائيل على الردع كثيرًا. وعليه فإن إصرار نتنياهو على فكرة وضع خطوط حمراء نالت سخرية بعض الإسرائيليين أنفسهم. وهنا يبرز الكاتب الإسرائيلي المعروف شيمعون شيفر من صحيفة يديعوت أحرنوت في مقال له نشر يوم الأربعاء شكك فيه بفكرة الخطوط الحمراء إذ يقول أن إسرائيل ستبقى لوحدها مع هذه الخطوط الحمراء.
معضلة إسرائيل السورية الآن تتمحور حول واقع جديد متبلور ومغاير لما كان عليه الوضع عندما كان الأسد حاكمًا فعليا لسوريا، ففي أدبيات الدراسات الإستراتيجية عندما يفشل الردع تندلع الحرب، فهل ستقوم إسرائيل بالفعل بشن حرب جديدة، وهل ستقف إيران مكتوفة الأيدي في حال نشوب صراع جديد تكون إسرائيل فيه طرفًا رئيسًا، وفي هذه الحالة كيف سيكون موقف موسكو وواشنطن؟ هذه أسئلة نسوقها في سياق يقين متبلور منذ فترة بأن إسرائيل لا تملك خيارًا عسكريًا سهلًا وإن تفكيرًا من هذا النوع يتطلب تنسيقًا كبيرًا مع ترامب الذي لا يبدو أنه يريد أي نزاع تكون فيه بلده طرف. والأهم كيف ستقرأ إيران الواقع الجديد وكيف سيكون ردها في حال تدهورت الأوضاع الأمنية مع إسرائيل؟