من الثقافة إلى الفرد : قراءة في العنف الاجتماعي
جو 24 : كتب فادي حمّاد - لست أسعى هنا إلى تقديم مقاربة لموضوعة العنف بقدر ما أحاول أن أقدم مقاربة لموضوع كما يطرح و يتداول في الإعلام خاصة المحلي، صورة الموضوع و استراتيجيات القراءة و التحليل الرائجة . صورة العنف كما تقدم في الفكر اليومي ذلك ما أحاول مقاربته و استقراءه . حيث تكشف القراءة تلك عن طبيعة الوعي الذاتي – الفرداني أو الجمعي الذي يؤسسها .
و نحن و إن كنّا نشكو من تلك التمظهرات للعنف الذي يجد تمثلاته الأكثر اثارة في عنف الطلبة في الجامعات و المدارس و داخل الأسر و العنف الممارس شبه يومي في الشارع و المدارس ، و ذلك الحاضر بشكل مستتر في تعابير لغة الحياة اليومية و التعاملات- التفاعلات بين أفراد المجتمع .
إلاّ أننا و في محاولة غير مجديّة لمواساة الذات ندعي - بصيغ مختلفة- أن هذا العنف هو طاريء على الذات ، آني و لحظي ، في حالة مستمرة من الإنكار ، و مع أني لست منحازاً كليّاً للتحليل الفرويدي – نسبة لفرويد- عن تجذر و ديمومة غريزة العدوان و دوافعه في النفس البشريّة ، إلا أن مسألة العنف في المجتمع المحلي لم تعد – وهذه وجهة نظر- هامشية أو طارئة .
و الملاحظ على أنماط و نماذج تفسير تلك الظاهرة أنها تنحاز إلى استراتيجيتين في القراءة ، الأولى تنحاز إلى التشديد في المعالجة القانونية الأمنية و الأخرى تنحاز إلى تفريد حالات العنف و الميل إلى مقولات التحليل النفسي في مستواها الفردي ، و مع وجود اجتهادات أخرى تقدم إعلاميّاً إلا أن النموذجين السابقين يبقيا الأكثر رواجاً و استعمالاً . و بدون أن نقلل من شأن و احترام تلك الاجتهادات إلا أن طغيان تلك الاجتهادات في الوعي الجماهيري المتأمل لحالة العنف او في عقلية أصاحب القرار ، هو ما يجب أن نترقبه و نتوجس منه .
وهنا يجب أن نتوجه إلى المطالبة برؤية و مناظير تكاملية حول هذه الحالة ، لا تستند إلى نماذج تفسيرية احادية ، بقدر ما تؤسس لذاتها على مراجعات هادئة تبدأ من مفاهيم الثقافة السائدة في المجتمع المحلي مع التأكد من أن وجود تلك الثقافة و عناصرها و تجلياتها لا يجوز أن يوصف بانه انتاج للصيرورة الطبيعية التاريخية للمجتمع بقدر ما هو انتاج سلطوي ، ففي كل حقبة تاريخية تبرز فيها ثقافة القوى الأكثر قوة و نفوذاً في المجتمع ، و إن كانت تلك الثقافة ليست الوحيدة إلا أنها الأكثر فعالية بحكم أنها ثقافة الأقوى و المهيمن .
وهذه الثقافة السائدة المهيمنة هي من تشكل الأرضية الوجودية التي يستند عليها الفرد في مواجهة الآخر و المجتمع بمعناه الضيق أو ببعده الكوني الإنساني.
فالإنسان لا يتطور وعيه و وجوده بعيداً عن عالمه الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و المعرفي و لا يمكن لعاقل أن يدعي صلاحية نظرية تستند في تفسيرها إلى بعد واحد من تلك الأبعاد ، بقدر ما يكون الأمر أكثر واقعية و مصداقية إذا ما أمكن للإجتهادات الفردية أو الجمعية أن تطور تفسيرها باستيعاب جميع تلك المفاهيم ، و من جهة أخرى تبقى الثقافة السائدة و المهيمنة في هذه اللحظة هي الأرضية الوجودية التي يستند إليها الانسان المعاصر ،و بالتالي إما ان يقوم بتنميتها و الدفاع عنها و حراستها من أي تدخل قد يضعفها أو أن يتم استبعاده و تهميشه ، و في غياب البديل الواقعي لاندماج الافراد في مجتمعات و ثقافات أكبر لا يعود خيارهم سوى ما نراه من دفاع شرس و عنيف عن المناطقية و العشائرية و الفئوية . و أحمد الله أن تكون الأردن يخلو من ديموغرافيا دينية أو طائفية .
و هذه الثقافة هي اليوم من تخلق ذوات أفردها و حيواتهم النفسية و الاجتماعية ، بل و تخلق نخبها المتفرغين لتبريرها و تجذيرها وفقا لمقولتي الحتمية و التطور التاريخي .
برأيي أن ملامح الثقافة السائدة في مجتمعنا اليوم ليست بحاجة للكثير من التمثيل و التدليل ، بل يمكن أن نلخصها في منظور واحد و هو تهافت الهوية الجامعة –كهوية الدولة- لصالح هويات فئوية و إقليمية ، و من يظن أن الضعف الذي أصاب الهويات الجامعة اليوم بعيد عن رغبة و تطلعات تلك الثقافات الفرعية فسيكون واهماً أو متواهماً. فنحن نتحدث عن نموذجين من الوجود لا يمكن و لا يجوز ان يلتقيا ، و العقلية التصالحية للدولة و تلك التلفيقية لبعض النخب و التي تنادي بجواز التقاء الهويات الفئوية مع الهوية الجامعة ، لا تزيد عل أن تكون معرقلة لأي مشروع نقدي حقيقي حول حالة العنف هذه.
و اليوم نشهد على الآثار المتعاظمة لنمو و رعاية تلك الثقافات الفرعية على حساب الثقافات الجمعية الكلية و لا يعدو طلبة الجامعات و جمهور الرياضة عن كونهم وسيلة تحقق واقعي لتلك الثقافات المهيمنة من جهة و ضحايا من ضحاياها من جهة أخرى و هنا أعتقد ان الحل يبدأ بإعادة الاعتبار للثقافة الجامعة و للهوية الجامعة لا أمنياً و تشريعياً فحسب بل ثقافياً و فكرياً.
fadisg@gmail.com
و نحن و إن كنّا نشكو من تلك التمظهرات للعنف الذي يجد تمثلاته الأكثر اثارة في عنف الطلبة في الجامعات و المدارس و داخل الأسر و العنف الممارس شبه يومي في الشارع و المدارس ، و ذلك الحاضر بشكل مستتر في تعابير لغة الحياة اليومية و التعاملات- التفاعلات بين أفراد المجتمع .
إلاّ أننا و في محاولة غير مجديّة لمواساة الذات ندعي - بصيغ مختلفة- أن هذا العنف هو طاريء على الذات ، آني و لحظي ، في حالة مستمرة من الإنكار ، و مع أني لست منحازاً كليّاً للتحليل الفرويدي – نسبة لفرويد- عن تجذر و ديمومة غريزة العدوان و دوافعه في النفس البشريّة ، إلا أن مسألة العنف في المجتمع المحلي لم تعد – وهذه وجهة نظر- هامشية أو طارئة .
و الملاحظ على أنماط و نماذج تفسير تلك الظاهرة أنها تنحاز إلى استراتيجيتين في القراءة ، الأولى تنحاز إلى التشديد في المعالجة القانونية الأمنية و الأخرى تنحاز إلى تفريد حالات العنف و الميل إلى مقولات التحليل النفسي في مستواها الفردي ، و مع وجود اجتهادات أخرى تقدم إعلاميّاً إلا أن النموذجين السابقين يبقيا الأكثر رواجاً و استعمالاً . و بدون أن نقلل من شأن و احترام تلك الاجتهادات إلا أن طغيان تلك الاجتهادات في الوعي الجماهيري المتأمل لحالة العنف او في عقلية أصاحب القرار ، هو ما يجب أن نترقبه و نتوجس منه .
وهنا يجب أن نتوجه إلى المطالبة برؤية و مناظير تكاملية حول هذه الحالة ، لا تستند إلى نماذج تفسيرية احادية ، بقدر ما تؤسس لذاتها على مراجعات هادئة تبدأ من مفاهيم الثقافة السائدة في المجتمع المحلي مع التأكد من أن وجود تلك الثقافة و عناصرها و تجلياتها لا يجوز أن يوصف بانه انتاج للصيرورة الطبيعية التاريخية للمجتمع بقدر ما هو انتاج سلطوي ، ففي كل حقبة تاريخية تبرز فيها ثقافة القوى الأكثر قوة و نفوذاً في المجتمع ، و إن كانت تلك الثقافة ليست الوحيدة إلا أنها الأكثر فعالية بحكم أنها ثقافة الأقوى و المهيمن .
وهذه الثقافة السائدة المهيمنة هي من تشكل الأرضية الوجودية التي يستند عليها الفرد في مواجهة الآخر و المجتمع بمعناه الضيق أو ببعده الكوني الإنساني.
فالإنسان لا يتطور وعيه و وجوده بعيداً عن عالمه الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و المعرفي و لا يمكن لعاقل أن يدعي صلاحية نظرية تستند في تفسيرها إلى بعد واحد من تلك الأبعاد ، بقدر ما يكون الأمر أكثر واقعية و مصداقية إذا ما أمكن للإجتهادات الفردية أو الجمعية أن تطور تفسيرها باستيعاب جميع تلك المفاهيم ، و من جهة أخرى تبقى الثقافة السائدة و المهيمنة في هذه اللحظة هي الأرضية الوجودية التي يستند إليها الانسان المعاصر ،و بالتالي إما ان يقوم بتنميتها و الدفاع عنها و حراستها من أي تدخل قد يضعفها أو أن يتم استبعاده و تهميشه ، و في غياب البديل الواقعي لاندماج الافراد في مجتمعات و ثقافات أكبر لا يعود خيارهم سوى ما نراه من دفاع شرس و عنيف عن المناطقية و العشائرية و الفئوية . و أحمد الله أن تكون الأردن يخلو من ديموغرافيا دينية أو طائفية .
و هذه الثقافة هي اليوم من تخلق ذوات أفردها و حيواتهم النفسية و الاجتماعية ، بل و تخلق نخبها المتفرغين لتبريرها و تجذيرها وفقا لمقولتي الحتمية و التطور التاريخي .
برأيي أن ملامح الثقافة السائدة في مجتمعنا اليوم ليست بحاجة للكثير من التمثيل و التدليل ، بل يمكن أن نلخصها في منظور واحد و هو تهافت الهوية الجامعة –كهوية الدولة- لصالح هويات فئوية و إقليمية ، و من يظن أن الضعف الذي أصاب الهويات الجامعة اليوم بعيد عن رغبة و تطلعات تلك الثقافات الفرعية فسيكون واهماً أو متواهماً. فنحن نتحدث عن نموذجين من الوجود لا يمكن و لا يجوز ان يلتقيا ، و العقلية التصالحية للدولة و تلك التلفيقية لبعض النخب و التي تنادي بجواز التقاء الهويات الفئوية مع الهوية الجامعة ، لا تزيد عل أن تكون معرقلة لأي مشروع نقدي حقيقي حول حالة العنف هذه.
و اليوم نشهد على الآثار المتعاظمة لنمو و رعاية تلك الثقافات الفرعية على حساب الثقافات الجمعية الكلية و لا يعدو طلبة الجامعات و جمهور الرياضة عن كونهم وسيلة تحقق واقعي لتلك الثقافات المهيمنة من جهة و ضحايا من ضحاياها من جهة أخرى و هنا أعتقد ان الحل يبدأ بإعادة الاعتبار للثقافة الجامعة و للهوية الجامعة لا أمنياً و تشريعياً فحسب بل ثقافياً و فكرياً.
fadisg@gmail.com