تجنب كي تسلم !
نضطر احيانا الى استخدام الف كلمة كي نتجنب البوح الصريح بكلمة او عبارة واحدة، وهذا ما تنبّه اليه الراحل د . سهيل ادريس عندما قال ان كل ما لدينا في العالم العربي من حريات لا يكفي كاتبا واحدا، وانا اضيف الى ما قاله بعد استئذانه ان كل ما هو متوفر من الحريات لا يكفي مقالة واحدة، بحيث يهوي الانسان بالمعول على جذع الشجرة بدلا من التلويح بها في الهواء كما يقول مثل انجليزي !
وحين نسمع ما يقوله سفراء سابقون سواء لأمريكا او غيرها نحسدهم؛ لأن منهم من يعترف بالخطأ ويصف بعض مواقفه بانها كانت سخيفة كما قال السفير الامريكي السابق في سوريا فورد، واحيانا نحسد كل كتاب العالم؛ لأنهم يكتبون بلغات اخرى غير العربية وحين نُترجمهم نتقبل ما يقولون لأنهم ليسوا منّا، وما هو حلال عليهم حرام علينا !
لقد بدأ فصام الشخصية او ما يسمى الشيزوفرينيا بكل تجلياتها السياسية والاجتماعية في واقعنا العربي على شكل اصابات فردية متفرقة لكنه سرعان ما تحول الى وباء، ولم يعد حتى التلقيح ضده ممكنا؛ لأن امصال الوعي التي تستخدم في مثل هذا اللقاح غير مُتوفرة ! واحيانا نصاب بالدهشة حتى القشعريرة ونحن نرى غلاة القومية يرسبون في اول امتحان، فيكون الانتماء الى الحارة او ما هو اقل كالزقاق !
نعرف ان كلام الليل قد يمحوه النهار، وان الكتابة على الرمل او الماء محاولة عبثية، لكن ما نراه احيانا او نسمعه يشبه الكتابة على الماء والرمل، وهو كلام مُتأنّق ممنوع من الصرف، وكدت اقول ما كان يقوله اباؤنا وهو الكلام ببلاش، لولا هذه المليارات التي ننفقها على الثرثرة بالهواتف، فالكلام الان اغلى من اية فاكهة .
هل وقعت شأن غيري في الفخ ذاته وكتبت مئات الكلمات كي اتجنب البوح بعبارة واحدة ؟ ربما فالضرورات في عالمنا العربي لا تبيح المحظورات فقط بل تبشر بها على مدار الساعة!!