نحتاج الى «مؤاخاة» جديدة ...!
في الاية الكريمة( انما المؤمنون اخوة )، ينحصر مفهوم الاخوة في دائرة الايمان فقط، فالعقيدة هي التي ترتب العلاقة بين المسلمين، وهي علاقة في الله ولله، مقدمة على علاقة النسب واللون والعنصر والطائفة، وعابرة لحدود الزمان والمكان، ومنزهة على كل ما يمكن ان يشوبها من اختلافات او مصالح، وهي - في ذات الوقت - نعمة من الله تعالى على عبادة( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا) ، وهي معجزة ربانية ايضا لا يستحقها الا المؤمنون (لو انفقت ما في الارض ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) ، هذه المعجزة تحققت في المؤاخاة بعد الهجرة مباشرة، حيث الانتقال الى مفهوم الامة الواحدة والدولة الواحدة، وما يقتضيه هذا التحول من اجتماع للصفوف، وعقد اخوة بين المجتمع المسلم بما يترتب عليه من حقوق وواجبات .
وعقد الاخوة بين المؤمنين هو عقد حقوق واجبة بنفس الايمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة وباقي العبادات، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما اوجب الله ورسوله، وهذه - كما يقول ابن تيمية - ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وان لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة، اما المناصرة بين المسلمين فواجب شرعي وفريضة واجبة، اذ لا قيمة للاخوة اذا لم تتكلل بالنصرة والتعاون والتراحم، واذا لم تترجم عمليا لكف الاذى عن المسلم والاهتمام بهمومه، ومشاركته في الالم والامل، وصد العدوان عنه.
في قانون المواطنة، ثمة حقوق وواجبات ومسؤوليات، تخضع دائما لرقابة الدولة وضميرها العام، ولأنظمة المحاسبة فيها وموازين العدالة النسبية، وهو - كغيره من القوانين - مجال جدل، في النظر والتطبيق، أما في قانون "الاخوة” فثمة مسؤوليات أولا ثم حقوق، والمسؤوليات هنا أوسع بكثير لأنها تستمد مشروعيتها من مقاصد الدين أولا، ومن هدف خلق الله للانسان ثانيا ومن طبيعة المجتمع الاسلامي وقيمه السائدة ثالثا: فبمقدار ما يكون "التدين” صحيحا بمقدار ما يشعر الفرد المسلم بعمق مفهوم "الاخوة” داخله، لا لمن يشاركه في دائرة "الملة” الدينية أو الوطنية فقط، وانما لكل ما حوله ومن حوله، ومن البشر والموجودات، بحيث يسود "منطق” الانسجام في المحيط كله بدل "منطق” الصراع، وبحيث يشعر الجميع بأنهم كلهم سواء، لا يتحاسدون ولا يتنافسون ولا يبغي بعضهم على بعض.
ويبقى ان نتساءل: لماذا تراجعت قيمة الاخوة في امتنا اليوم، ومن هو المسؤول عن هذا التراجع، وما علاقة ازمتنا الفكرية والسياسية والفقهية بذلك، وماذا عن دور العلماء في اعادة الاعتبار لهذه القيمة المغيبة ؟
ما احوجنا اليوم الى تجديد عقد الاخوة بين ابناء الامة اولا، وبينهم وبين البشر في كل مكان.