أخطأ مجلس التعليم العالي ..!!
الان اكتشفنا ان قرار مجلس التعليم العالي برفع معدلات القبول في كليات الشريعة بالجامعات الى80 % كان خاطئا، فقد تبين ان عدد الطلبة الذين قبلوا في هذا التخصص بلغ (6) طلاب في احدى الجامعات و (9) طلاب في جامعة اخرى، هذا بالطبع توقعناه وحذرنا منه، كتبت في هذه الزاوية اكثر من مرة، كما ان لجنة شكلت قبل اصدار القرار بشهور ضمت عددا من عمداء كليات الشريعة والمختصين انتهت الى وضع دراسة حول الموضوع، لكن الدراسة وتوصياتها اودعت في الادراج، علما ان تجربة رفع المعدلات الى ( 70 %) قبل ذلك فشلت، ثم تم اعادتها الى ما كانت عليه ( 65 % ) مع اضافة مقترح اجراء «المقابلة» للطلبة المقبولين في الشريعة».
تحتاج القضية الى مزيد من التفاصيل، فتحت عنوان تحسين « نوعية « خريجي الشريعة، اعتقد البعض ان اغلاق الباب على الطلبة الذين تقل معدلاتهم عن ( 80%) هو الحل الوحيد لضمان اعداد وتخريج مختصين في العلوم الشرعية قادرين ومؤهلين على ايصال خطاب الدين الصحيح الى الناس، يبدو هذا العنوان جذابا بالطبع، فمن منا لا يريد ان يكون كل الذين يدخلون الى كليات الشريعة في جامعاتنا من افضل الطلبة المتفوقين واعلاهم تحصيلا، لكن ثمة فرقا كبيرا بين الرغبات والامنيات وبين الاحداث والوقائع ناهيك عن النوايا ايضا.
حين تدقق في الوقائع تجد ان اقبال الطلبة الاردنيين على كليات الشريعة متواضع جدا، فعددهم مقارنة بالطلبة من خارج الاردن لا يتجاوز في معظم كليات الشريعة الثلث تقريبا، وفي بعضها اقل من ذلك بكثير، ومعظمهم من الاناث، تجد ثانيا ان نسبة قليلة من هؤلاء تتجاوز معدلاتهم الـ 70 %؛ لان اغلبية من يختار هذا التخصص ممن تغلق امامهم فرص الحصول على مقعد او تخصص اخر، , تجد ثالثا ان سؤالين على الاقل يلحان على اي طالب يرغب بالدراسة الجامعية احدهما : فرص العمل بعد التخرج، والاخر الاعتبارات الاجتماعية والمزايا المعيشية، والاجابة عليهما بالنسبة لطالب الشريعة محزنة وصادمة وربما مخجلة ايضا.
هل يعقل هنا ان نقارن بين خريجي كليات مثل الطب والهندسة وبين خريجي كليات الشريعة مثلا ؟، الفرص المتاحة لمن يتخرج في تخصصات العلوم الدينية – على شرف مكانتها – معروفة، ورواتبها وامتيازاتها معروفة ايضا، فكيف يمكن ان نساوي بين هؤلاء وهؤلاء في معدلات القبول، وكيف نقنع من يختار الشريعة ان بانتظاره فرصة تليق بتضحيته او رغبته بدراسة علم « الدين «، اين هي الحوافز التي سوف نقدمها له لكي يذهب لكلية الشريعة، وهو مطمئن على مستقبله الوظيفي والاجتماعي.. ان لم نقل ورأسه مرفوع ايضا.
حين ندقق اكثر سنجد ان المشكلة ليست فقط في معدلات القبول وفرص العمل وجاذبية التخصص « الديني «، وانما قبل ذلك في الاجابة على سؤالين، الاول : لماذا يعزف ابناؤنا عن دراسة العلوم الدينية، والثاني ماالذي نحتاجه فعلا لجذبهم لمثل هذه الدراسات المهمة، وهل كليات الشريعة، بمناهجها واساتذتها، مهيئة فعلا لاستقبال الطلبة المتميزين ؟، واذا ما افترضنا جدلا انها مهيئة ( وهذا يحتاج لنقاش طويل ) فهل المناخات الدينية العامة والمؤسسات التي سيلحقون بها بعد تخرجهم ستمنحهم الفرصة لتقديم افكارهم التي تتناسب مع وعيهم، لكي لا نقول استيعابهم وابداعاتهم وقبول خطابهم الجديد.؟
سأترك الاجابة على هذه الاسئلة لمن يعنيهم الامر لكنني استأذن بالاشارة الى ملاحظة هامة، وهي ان كل ما يجري على صعيد المجال الديني من تطوير وتحديث، سواء في المناهج او على خطاب المنابر، او تأهيل الائمة والخطباء، او ضبط الدخول لكليات الشريعة، لابد ان يأتي سياقات مدروسة وضمن استراتيجية وطنية واضحة ومتكاملة، بحيث لا يبدو ذلك – كما يحدث احيانا – بمثابة فزعات، او استجابات لهواجس وضغوطات ما، او -اضعف الايمان – لبرامج معزولة عن بعضها البعض، وغالبا ما تكون نتائجها بعكس الاتجاه الذي نريده، ناهيك عما تثيره من هواجس ومخاوف وسط مناخات مغشوشة تتربص بالدين وتحاول تجفيف منابعه بحجة مواجهة التطرف او تغير اتجاهاته غير المرغوب فيها.
اذا كان مجلس التعليم العالي اخطأ عند اتخاذ هذا القرار، فمن واجبه ان يعترف بالخطأ، والأهم ان يصححه على الفور.