jo24_banner
jo24_banner

"دولة" كردستان والمسألة الكردية

د. حسن البراري
جو 24 :


لا يخفى على أحد أن أكراد العراق يسعون لتحقيق الاستقلال الذي يعتقدون بأنه تأخر كثيراً لا سيما وأن الظرف الاقليمي والدولي بات يسمح لهم بحل المسألة الكردية مرة وللأبد. وسيختلف الباحثون والمحللون في توصيف ما يجري في شمال العراق، فهل الحركة الكردية هي حركة انفصالية خارجة على القانون ما يستوجب من الحكومة المركزية في بغداد رداً حاسماً ومبرراً؟ أم أن للأكراد حق تقرير المصير أسوة بالاتراك والفرس والعرب وبالتالي فإن ما يقومون به هو مبرر ومشروع؟

هناك من يعارض مبدأ حق الاكراد في دولة لهم اسوة بغيرهم وهناك من يعارض فقط توقيت وممارسة هذا الحق. منذ مطالبات الشيخ محمود الحفيد عام 1919 بوضع خاص للأكراد والحركة الكردية آخذه في بلورة هويتها السياسية، وساعدها في ذلك وجود الدولة التسلطية التي ساهمت بقوة في تقويض مبدأ المواطنة الذي كان من شأنه دمج الاكراد في مناطق تواجدهم والتي اخفقت في رسم معالم هوية وطنية واحدة جامعة تتسع لكل مكونات الشعب بما فيهم الاكراد. وزاد من الطين بلة انتشار حالة من التعسف الثقافي التي استهدفت الاكراد في لغتهم وتراثهم. بمعنى آخر كانت الازمة بجوهرها ازمة مواطنة وهوية لم تحسن الدولة التسلطية التعامل معها بشكل يجعل الاكراد يؤمنون بالدولة التي يعيشون بها.

الفكرة التي تحتاج إلى نقاش ليست مرتبطة بحق الاكراد الشرعي في اقامة دولة مستقلة، فهذا أمر لا يمكن انكاره، غير أن المسألة الأهم بتقديري تتعلق بموقف الاقليم بشكل عام من هكذا تطور وبخاصة وأن تركيا وإيران تعارضان هذا الاجراء وهي دول قادرة – بحكم موقعها ومصالحها – على خنق كردستان. كما إن إيران قادرة على توظيف الحشد الشعبي للتحرش وربما لاحتلال اجزاء من كردستان وبخاصة المتنازع عليها وهنا الحديث عن كركوك.

إدارة المسألة تتوقف على الاكراد أنفسهم وبخاصة إذا ما تمكنوا من لجم غلاة القوميين المتطرفين، وسيرتكب الاكراد خطأ كارثياً إن استعدوا الآخرين، فالعراقيون مثلا قد يتوحدون ضد ما يسمونه "انفصال" جزء تاريخي من العراق، كما أن الحكومة المركزية العراقية ستتلقى دعما غير محدود من إيران وتركيا للتضييق على الاكراد، وعلينا ان نعترف بأن هناك من بين الاكراد من يريد أن يكون جزءا بناءً في الاقليم إلا أن المسألة اعقد وبخاصة مع تشجيع اسرائيل العلني لهم بالانفصال والاستقلال.

اسرائيل بدورها لا تؤمن بمبدأ تقرير المصير وإلا لساعدت الفلسطينيين في ذلك، ولا تساند الاكراد لسواد عيونهم بل لأنها تريد ان تستخدمهم كحصان طروادة لازمة جديدة أو لتفكيك دول بحجم العراق وتركيا وحتى إيران. فالهدف الاسرائيلي دوما هو اضعاف الدول القوية حتى تتمكن من ممارسة هيمنتها على الاقليم وحتى تحرم الفلسطينيين من دعم وازن. لذلك سيرتكب الاكراد خطأ كبيراً إن استعانوا بأسرائيل كما كانوا يفعلون آيام مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني لكونهم في وضع انكشاف استراتيجي خطر لا يمكن لإسرائيل عمليا مساعدتهم في مواجهة قوى اقليمية كبرى.

ما يهمنا في الاردن هو أن لا يجري في المنطقة المزيد من التفتيت، فصحيح أن اقامة دولة كردية لا يؤثر بشكل مباشر على المدى القصير على الأردن لكنه قد يكون له أثر سلبي في قادم الايام إن تحولت كردستان إلى دولة تنسق مع إسرائيل، فالاخيرة ستعمل على تقويض العمق الاستراتيجي للاردن قد يؤثر على الاردن في حال مواجهة مع إسرائيل في قادم الايام. المطلوب من صناع القرار في عمان أن يتواصلوا مع الاكراد واقامة علاقات متوازنة معهم لتحذيرهم من مغبة السير في الاجندات الصهيونية، ويرتكب الاردن خطأ أن عبر عن عداء للمشروع الكردي إذ علينا أن نحترم خصوصية وحق الشعب الكردي في الاستقلال وتقرير مصيرهم ليس فقط في العراق وانما ايضا في إيران وتركيا. لكن وعلى مسار موازً لا يحتاج الاردن لمزيد من الاستياء من قبل النخب الحاكمة في العراق، فمصالح الأردن مع العراق أهم بكثير من الوقوف بجانب هذا الطرف أو ذاك.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير